الخميس , 21 نوفمبر 2024
استطلاع مصوّر/ جلال القيدعي
وكأنه نفق من انفاق كتائب القسام الذي شاهدناها بالقنوات الفضائية ، البداية في باب حديدي تقوم بفتحه وكأنك امام احد المنازل ، لتجد امامك حفره عميقة لا ترى اخرها ، قُطر البداية قرابة 5 امتار ، تضع قدميك على سُلم منحوت بالجبل لتبداء بالنزول رويدا رويدا لتضيق الفتحة الجبلية ويختفي الضوء ، لتلجئ لاستخدام الكشاف في منتصف النهار ، وتهوي بك اقدامك الى باطن الارض تدريجيا في ذلك السلم المنحوت بالجبل ، الصمت يخيم والظلام يزداد سواداً ، تسير على هذه النحو قرابة 20 متر في باطن الارض ، فجئه تجد فتحة نفق اخر على يمينك يبلغ طولها حدود 30 متر وبقطر مترين ، يبداء الخوف يكتسحك والافكار السلبية تشعرك بأنك في خطر ، ومع وصولك الى نقطة النهاية تجد المياه العذبة متجمعه في اخر النفق ، من قطرات الماء المتساقطه من محيطك بشكل مستمر لتكتشف انك وصلت الى نهاية مغامره مرعبه استمرت قرابة ربع ساعة مشيتها بشكل عمودي ثم افقي وسط الظلام الدامس والاكسجين المتقطع والخوف من المجهول في باطن الارض ، وانقطاعك الكلي عن الارض ، ولتعيد الكره بالصعود ولكن بسرعة كبيره لكل تعود الى السطح وترى النور وتستنشق هوائها العليل ..
فهذه المسافة التي قطعتها في باطن الارض ، وهذه الحكاية المخيفه ليس حكاية سينمائية او مقطوعه من فلم ، بل حقيقة واقعيه بطلها المزارع والمناضل عبدالله صالح الحمدني الذرحاني .
وبالتحديد في جوف بئره الجوفية التي حفرها بسواعده ، والواقعة في بطن الجبل لعلي بمديرية المفلحي -يافع وتحديداً في منطقة شيهج .
صاحب هذا المشروع الخرافي هو شخص وليس دولة او منظمة او جهه حكومية ، وانما شخص تحدى الجبال ونحتها لاعوام وليس لايام او شهور ، وضع نصب عينيه الهدف واقدم على تطويع الجبال بمعداته البدائية وجهوده الشخصية متوجها نحو هدفه الوحيد وهو العثور عن عين مائيه يروي فيه عطشه ويسقي فيها اشجاره ويصارع اعوام القحط والشدد التي مرت على البلد بشكل عام .
كانت البداية في مطلع عام 94 عندما اطلق المزارع والمكافح عبدالله صالح الحمدني الذرحاني العنان لافكاره وطموحه بحفر جبل ، وكما يقولون همة الرجال تزيح الجبال ، تابع الحمدني طريقة لسنوات عديدة دون كلل او ملل لاشي يقوي عزيمته واصراره إلا الامل المتدفق في شراينه والطموح الذي يفقع به الحجار ويغذي به استمراره وتطلعاته المرجوه بظهور ينابيع الماء .
استمر في معركته الجبلية وحيدا وبمعاونه بسيطة من بعض الاقارب والاصدقاء ولكن صبره وجلده وتعطشه للنجاح وبلوغه للهدف كان دافعه الاول ومحركة الوحيد.
فبرغم الليالي المظلمات وتلاحق السنين القاحلات ويئس المرحلة كان امله اكبر من تلك العوامل جميعها .
استمر بالحفر اليدوي المتواصل قرابة 12 عام متواصله ، يسير فيها خلف الشرائين المائية الضئيلة في بدايتها ، متأملا بالعثور عن أعين اكثر قوه واكثر غزاره مائيه ، فنجح بالوصول الى عين ماء لابأس بها ولكن لم تكن حسب التوقعات المرجوه ، ويعود السبب لقلة الامطار بالاعوام السابقة ، ولكن هذا العام كانت المفاجئه عندما زار البئر في منتصف الخريف ليجدها ممتلئه تماما من اعينها الجوفيه .
فالبئر التي تحولت الى سد مائي وبئر بنفس الوقت يبلغ طولها قرابة 70 متر عمق بالارض وبشكل عمودي ثم افقي ، واصبحت بهذه الفتره ممتلائه تماما من ينابيعها وتغذي مزارع والمشاتل المجاوره بالماء العذب الزلال.
فهذه التجربة المثيرة والنادرة لن تتكرر في بلادنا ، ولو كان صاحبها في بلداً اخر لصنع له تمثال يُضرب به مثلاً بالكفاح وحب الارض وقوة الامل .
الرسالة التي نريد ان تصل للجهات الرسمية بالمديرية ومكتب الزراعة بالمديرية بالتحديد ، هي ان هناك مزارع ومكافح قام بعمل جبار ويجب ان يحظى هذا العمل الكبير بالاحترام والدراسة والتطوير ، وان وتحظى هذه الشخصية النادره بالاحترام والتقدير ، فهذه المنجزات انسانية ووطنية قبل ان تكون تنموية ، وهذا العمل الكبير والارادة الفولاذية لن يكررهما اي زمن ويجب ان تاخذ حقها من الاشاده والتكريم .
اعلامي جنوبي
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 21, 2024