الأربعاء , 5 فبراير 2025
بقلم: د. لبيب فضل حيدرة.
ماذا بقي لنا من مقومات الحياة الكريمة، نحن الآن في آخر معقل لها، وهو قطاع الخدمات، وبخاصة الكهرباء في المناطق الحارّة، تنقطع وتأتي وتغيب، كل ذلك والشبح المسكين في صورة الإنسان تراه يقضي ليله بين جلوس وقيام حتى إذا اشتد به السهر والتعب وضع جنبه على فراشه الأسفنجي، الذي سال لعابه النفطي على هذا الجلد المنهك من الحر، فبدأ يلعق دمه كما يفعل الخفاش مصاص الدماء، يتقلب ذلك المتعب يمينًا وشمالًا على فراش المضطر، يرفع يمناه إلى ملك السماء: أولئك قالوا، منعوا، أمروا، حتى إذا انشق الصباح مشى مترنحًا إلى عمله، وهو شبح إنسان، ليعود إلى مأساة أخرى، وليلة جديدة، سيفقد طبقات من جلده وتتبدل مرات ومرات، تلك حياة البائسين في بلد دخل في سرداب لا عودة منه إلا بنبذ السلبيّة، جميعنا يحب الحياد في مواقفه، قد يقال عنه حياد إيجاب، قد يقال عنه سلبية، أمر وصفه تتحكم فيه المواقف، والمصلحة، لكن ذلك الحياد قد يقزم شخصيتك، ويحملك إلى السلبية، فبينه وبينها خيط رفيع، لطالما بُتَّ أو تصرَّم، فكثير منا قد يبغص الصريح أو الناطق بالحقيقة؛ لأنه يجرح، يحرج، يخدش، لكن الحقيقة هي الباقية.
ألا تعلم أن السلبية وليدة الحيادية في نهاية المطاف، لا بأس أن تحيد بعد كلمة الفصل، تصدع بها أو تُفارق فراق غير وامق، (لا يضركم من ضل إذا اهتديم) إذا رأيتم شحًّا مطاعًا، وهوًى متبعًا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، لا بأس أن يكون لك عالمك الهادئ، الصحيح أن تكون مستقلًّا برأيك، لا مستغلًّا بالتبعيًّة لغيرك، لا تكن تابعًا، لفلان أو علان، فالجميل قد يقبح، والقريب قد يصبح غريبًا.
ذلك يذكرني بشيء من تراثنا، بشخص فقد هويته، وأضاع معالمه، لمسايرته رأيين متناقضين، وهو قول القائل: بين حانا ومانا ضاعت لحانا:
يقال: إن رجلًا أشمط (يختلط بياض شعره بسواده) كانت له زوج كبيرة تقارب سنه اسمها (حانا) فتزوج بأخرى شابة اسمها (مانا) فكانت تلك المرأة الشابة تنتف البياض من لحيته، وتقول: مازلت شابًّا، وتفعل (حانا) بالشعر الأسود ما تفعله (مانا) وتقول: ماذا تريد بالأسود وتنتفه وتقول: الأبيض يزيدك وقارًا .
حتى خرج بعد شهر لا لحية له، ضاع الأسود والأبيض، فسئل فقال:
بين حانا ومانا ضاعت لحانا؛ فإحداهن كانت تسلبه شبابه وحيويته، والأخرى تسلبه وقاره ومكانته، حتى فقدهما معًا، أضرًّت به التبعيًّة وليدة الحياديًّة والسلبيًّة، فأفقدته هويته، شخصيته، أضحى لا يعرف، بل لا يوصف.
فبراير 5, 2025
فبراير 5, 2025
فبراير 5, 2025
فبراير 5, 2025