الجمعة , 22 نوفمبر 2024
تحول القضاء شمال اليمن لمجرد أداة في قبضة مليشيات الحوثي التي تستغله لتحقيق أهداف متعددة منها حرف الأنظار عن توحشها وتبييض الجرائم الإنسانية.
وطيلة الأعوام الأخيرة، تنامت أحكام الإعدامات الصادرة من محاكم مليشيات الحوثي بشكل لافت وقد طالت أناسا أبرياء بناء على اعترافات منتزعة بالإكراه أو بموجب شهادات مقدمة دون إتاحة المشورة القانونية الكافية.
ووجدت “العين الإخبارية”، بعد التحقق من عدة قضايا تعمد مليشيات الحوثي لإثارة الرأي العام قبل أي عملية إعدام في مسعى لجذب الأنظار المحلية والترويج لعدالة وهمية فضلا عن التغطية على جرائم غير مسبوقة وأزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم.
لكن محامين يمنيين اعتبروا تزايد الإعدامات مؤشرا على تزايد نسبة الجرائم في مناطق الحوثيين، وأن تعمد المليشيات لإثارة عاطفة الرأي العام تستهدف بالفعل الترويج لعدالة وهمية ولفت نظر المجتمع الدولي إلى أنها صارت تمارس مهام الدولة بطريقة قانونية.
أبرز الضحايا
يحظر قانون العقوبات اليمني إعدام الأحداث وينص على عقوبة قصوى هي السجن 10 أعوام للقُصّر الذين ارتكبوا جرائم قد يُعاقب عليها بالإعدام، وهو ما كان يسري على الأديب “سليم المسجد” عندما ارتكاب جريمة قتل بالخطأ لأحد أقاربه وهو تحت سن 18 عاما.
وعاش “المسجد” حياة شبابه كاملة في السجن حتى تحول أديب وقاص داخله ليعمل من داخله مديرا لتحرير مجلة نقش الثقافية قبل أن تصدر مليشيات الحوثي حكما بإعدامه الأحد الماضي الموافق 11 ديسمبر 2022.
وتم إعدام المسجد بعد أن أثارت قصته هزة عنيفة في المجتمع اليمني وإطلاق رفاقه ونشطاء حملة واسعة النطاق تحت وسم “أنقذوا سليم”، لكن الشاب الذي أثرى المكتبة العربية بـ9 مؤلفات من داخل سجنه لم يجد في نهاية المطاف العدالة والمشورة القانونية الكافية.
تعكس طرق الإعدامات الحوثية دوافع المليشيات للعنف المفرط الذي تمارسه ضد المجتمع اليمني وسطوة القوة بعد انفرادها بالحكم شمال اليمن، وهو ما يظهر بجلاء في قضيتي “علي عشية” و”نبيل العفيري”، كواحدة من عشرات الإعدامات التي نفذت لتحقيق أهداف متعددة.
وأعدم الحوثيون نبيل العفيري في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 رغم تقدم محاميه بالتماس لما يسمى النائب العام المعين من قبل المليشيات ورغم حملة الرأي العام التي انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي لمناصرة قضيته وجمع 60 مليون توقيع لعتق رقبته العفيري من الإعدام.
وتعود قصة العفيري إلى قبل 10 أعوام عندما اعتدى أشخاص على مزرعة يرعاها مع والده ووالدته، والاعتداء عليه بالضرب قبل أن يبرز العفيري خنجره للدفاع عن نفسه وأرضه وسقوط أحد المعتدين مضرجا بالدماء ليتوفى لاحقا فيما سلّم هو نفسه للأمن.
وبحسب محامي الدفاع في القضية فقد أهدرت مليشيات الحوثي بعد سيطرتها على القضاء حق الدفاع عن نبيل العفيري ابتداء ًبمرحلتي جمع الاستدلال والتحقيق وانتهاءً بالمحاكمة أمام القضاء.
ولا تختلف حادثة العفيري عن واقعة الفلاح اليمني “علي عشية” الذي أعدم في 27 يونيو/حزيران 2022 دون إجراءات تقاضي قانونية، في عملية إعدام وصفها قانونيون حينها أنها ضمن “إعدامات تعد بمثابة قتل خارج إطار الدستور والقانون”.
وترجع قصة “عشية” إلى أكتوبر/تشرين الأول 2019، عندما قام نافذون بينهم ضابط برتبة “عميد” بقيادة “إسماعيل عتبية” بنهب أراضي والد علي عشية وتسويرها بالقوة في بلدة “المحاير” في منطقة شملان في مديرية همدان بل والاعتداء على أبنه وأخيه ما دفعه لأخذ سلاحه ومقاومة حملة النافذين ليسقط أحد العاملين الناهبين قتيلا.
وبحسب مصادر يمنية فقد لجأت مليشيات الحوثي لاعتقال علي عشية والحكم ضده بالإعدام تنفيذا لرغبات النافذين دون أن يجد الوقت الكافي للإنصاف لقضيته.
عدالة وهمية.. تبييض الجرائم
واعتبر المحامي اليمني إيهاب فضل “تزايد أحكام الإعدامات في مناطق سيطرة الحوثيين دلالة على تزايد نسبة الجرائم وبالذات جرائم القتل فضلا عن عدم ثقة القابعين تحت سطوة المليشيات بالجهاز الأمني والقضائي للحوثيين مما يضطرهم إلى ارتكاب هذه الجرائم”.
وأضاف، في تصريح خاص لـ”العين الإخبارية”، أن مليشيات الحوثي تستغل بالفعل القضايا التي تثار حولها أكبر قدر من العواطف الإعلامية والترندات ليقوموا بإجراءات مستعجلة في النظر بالقضية محل الاهتمام ومن ثم إصدار الأحكام وتنفيذها وهم بذلك يعتقدون حصولهم على قدر كبير من الاهتمام المحلي والعالمي”.
وأوضح أن مليشيات الحوثي تسعى للترويج لعدالة وهمية في مناطق سيطرتها من أجل كسب الحاضنة الشعبية وإعجاب المجتمع الدولي بقدرتهم على فرض العقوبات وتنفيذ القانون.
وقال المحامي اليمني إن الحوثيين يظهرون العدالة في إحدى الوقائع أمام عدسات الإعلام كحادثة الأغبري قبل عامين وتحت ضغط الرأي العام للظهور كحماة للعدالة وللقانون لكنهم بعيدا عن ذلك يستخدمون القضاء كأداة في قمع المعارضين والصحفيين والناشطين والأسرى.
ما قاله فضل، أكده المحامي اليمني ذويزن السوائي الذي قال إن تزايد أحكام الإعدامات لدى مليشيات الحوثي هدفه لفت نظر المجتمع الدولي على أن هذه المليشيات تمارس مهام الدولة بطريقة قانونية وهي الأحق بأن تتولى زمام الأمور في البلاد”.
لكن وهي تسوق تلك الإعدامات للعالم، وفقا للسوائي، على مليشيات الحوثي أن تدرك أنها فشلت أمام المجتمع الدولي والمنظمات الدولية في تلوين التقارير التي أثبتت عدم احترامها للضمانات المكفولة بالعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية.
كما أثبتت عدم احترامها للقوانين الدولية والقانون الوطني الخاصة بحقوق المتهم سواء في مرحلة جمع الاستدلالات أو التحقيق أو المحاكمة أو في مرحلة استئناف أو الطعن بالأحكام الصادرة ضد المتهم وهذه ضمانات يجب أن تراعى كحق من حقوق المتهم”.
ودلل السوائي في تصريح خاص لـ”العين الإخبارية”، على تلك المخالفات بصدور أحكام الإعدام بحق مجموعة من أبناء الحديدة الذين تم إعدامهم بطريقة مستعجلة واستثنائية وتعتبر من الجرائم الكبيرة التي تمارسها مليشيات الحوثي ضد خصومها السياسيين أو غيرهم من المدنيين.
كما أن ما تقوم به “مليشيات الحوثي من إصدار أحكام إعدام ضد خصومها السياسيين أو من يخالفهم الرأي في المناطق الذي تحت سيطرتهم هو نوع من ترهيب الناس وقمعهم بسلطات قضائية لا ولاية قضائية وشرعية لها، وإنما تستخدم هذه المحاكم من أجل تحقيق مصالحها ولتمرير وتنفيذ مشروعها المذهبي والطائفي”، وفقا للمحامي اليمني.
وعدد السوائي الكثير من الجرائم لمليشيات الحوثي والتي تنوعت بين قتل وتجنيد الأطفال وتقويض مؤسسات الدولة ونهب للأموال والممتلكات العامة والخاصة وفرض الضرائب وغيرها من جرائم تتم دون رادع أو مساءلة أو تحقيق من قبل السلطة القضائية وهذا دليل كاف على سيطرتها على النيابات والمحاكم بدرجاتها الثلاث من أجل شرعنة بقائها ومشروعها.
نوفمبر 11, 2024
نوفمبر 8, 2024
نوفمبر 8, 2024
نوفمبر 8, 2024