تُدرك الجماعة الحوثية تمام الإدراك بأن الصفة المتمردة التي مُنحت إياها وقبلت تمثّلها آملين منها تحقيق معجزة السيطرة على اليمن وذلك على خلفيّة أحداث الربيع العربي وما رافقها من تشظيات لأركان نظام صنعاء دفعت بطرف السلطة آنذاك عن طريقها تصفية حساباته مع خصومه لم تصل بعد بها للمستوى المطلوب الذي يؤمّن مستقبلها السياسي من التراجع حال رضوخها للسلام وترك السلاح جانبًا، وقد تُضغط وتتحول بمرور الوقت إلى جرمٍ باهت يستهلك طاقته من الداخل ولا يشع نورًا بالقدر الذي يمكّنها من الإحتفاظ بسطوتها في سياقات الخارطة الحزبية القادمة التي يعكف الأشقاء بمعية المجتمع الدولي على صياغتها وفقا لمحددات الصراع ولتموضعات كل طرف فيها.
فالثبات نسبة للفكر المذهبي بمفاهيمه الفلسفية المختلفة الراسخة والمتجذرة عقائديًا في أذهان المجتمع منذو قرون من الزمن تبدو إلى الآن بعيدة المنال لها كجماعة إنقلابية فرضت نفسها بالحديد وبالنار، وهي بمثابة عائقا يقف أمامها ولن تتمكن بسببه النزول عن قصرها العاجي والتقرّب من عواطف الناس.
هذا ما يفسّره هروبها إلى الأمام وبالعمل على توسعة دائرة الحرب جغرافيًا دون الإكتراث لكلفتها المادية والمعنوية، خشية مواجهتها للحقيقة والواقع الذي سيعيد تشكيلها وفقًا لما تمتلكه من رصيد فكري وإنساني، بما يعني لو أتم ذلك تراجع ضخامتها وعودتها لحدودها المعقولة.
ومن هذا المنطلق يبدو بأن الأمريكان متفهمين جيدا لعقدتها ولما تعانيه من ثغرات وسلبيات داخليةً يصعب سدّها، لذا هم حريصون من عدم المساعدة في فك شفراتها وحلها لهم, وهنا يكمن سر حرصهم على استخدام الضربات الوقائية ضدها دون التدخل المباشر على الأرض، ولكي لا تمنحها هدية مجانية تكسبها مزيدًا من الشهرة والحضور الجماهيري مؤداها ترسيب مفاهيمها العقائدية المتزمتة والصلبة لمستوى يصعب مخاطبتها يومًا ما لا سلميًا ولا عسكريًا.
فالصحيح والطبيعي لحركة متمردة أنقلبت على الدولة قتلت وشردت الكثير أرتكبت المآسي والويلات ولم تذعن لمسار السلام وترك السلاح جانبًا، وبما أقدمت عليه أخيرًا من ممارسات استفزازية ضد الملاحة الدولية بدءاً بالبحر الأحمر وخليج عدن بلوغًا للمحيط الهندي كلّفت الاقتصاد الإقليمي والعالمي خسائر مهولة ومازالت مصرة علي مواصلة عملها وتوسيع رقعة مشاكلها، هو ردعها وردها عن ما تقدم عليه هذا عند أحسن حال، والقضاء عليها طريقة أسلم، لكن ما يُلحظ إلى الآن عن تحالفي دعم الشرعية وحارس الإزدهار اتباع كلّاً بطريقته معها قواعد اشتباك محددة تقيها الهزيمة وهي عند كل مرة ما نراها إلا تزداد طيشًا ورعونة، هذا ما يؤكد بأنها ما سوى جزءًا من لعبات متفرقة وكل طرف يحرص محاربتها مع الاحتفاظ بها لاكبر قدر ممكن وفقًا لحساباته وإجنداته الخاصة ولن يسعى لتحجيمها حتى تحصيل أهدافه منها، وهذا يفسر مرة أخرى لماذا وكيف أصبح الصراع معها يدور في حلقة مفرغة؟.