بادئ ذي بدء لستُ بسياسي أو من أرباب السياسة، لكن هناك أمور لا تحتاج منك لتحليلها أن تعيش بين مقالات الكتّاب أو أن تجلس القرفصاء أمام الكثير من المقاطع لكي تنضج عندك الفكرة . عندما تكون الأمور واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، فلا تحتاج رؤيتها لأن تحضر دولاً من الماء لترى على سطح تراقص قرص الشمس ، كل ما في الأمر أن تنظر إليها مباشرة دون أن تحدث قربعة في التنك … ما قبل سنة 90 كلا الدولتين كانت تنعم في سلام ودعة ووئام ، ففي الشمال كانت الـ ( 10) الريالات تأتي بثور، وقس على هذا بقية الأمور . وفي الجنوب كانت هناك بعض الأشياء مجانية والبعض منها كانت رخيصة لا تكفل المواطن عناء اتقنائها أو شرائها … كانت الأمور في كلا الدولتين تسير على نحو جميل ورائع ، كان هذا شعور كل مواطن في دولته. بغض النظر على الأمور الأخرى … لكن بعد بزوغ فجر الوحدة الذي يتغنى به من يقتفون أثره لمآرب لا تكاد تُبين ما وراءها ولأشياء أصبحت مستهلكة يعرفها القاصي والداني ، وحقيقةً لم يكن فجراً صادقاً أو مشرقاً ، لقد كان فزّاعة وشمّاعة لشيء في نفوسهم، كان صدق أبناء الجنوب وحسن نواياهم نقطة الضعف التي استغلوها ونسجوا من خلالها ما يريدون للوصول إليه . فبعد سنة (90) بدأت الأمور تستاء يوماً بعد يوماً وعاماً. كل عام يولد يكون أسوأ من أخيه ، وكل فترة تمر أسوأ من سابقتها ، وجاء عصر الجرعات ، لقد كانت بداية عصر لم نألفه ولم نعيشه من قبل. وهكذا استمر الأمر جرعة بعد جرعة … لم يبقَ شيئاً جميلاً من الوحدة، لقد أماتوا كل شيء فيها ، لكن أدري على ماذا تطالعنا – عندما يصادف تاريخ ميلادها- القنوات بالاحتفالات والتغني بها وكأنها معجزة نبي . ما نعيشه اليوم وفي هذه الآونة كانت الوحدة هي الخطوة الأولى التي نسجت هذا الوضع القاتم ورسمت ملامحه بشكل أو بآخر . فلا داعي للمزايدة وترقيع وجه الوحدة وتلميعه لتسحين صورتها … هناك مثل تهامي يقول ( مش عنده عنده إذا تحب حبيبك ابعد عنه) هناك أشياء يكون في جمالها البعد عنها، عندما تكون متباعدة تكون أجمل ، تكون أروع ، تكون في غاية الانسجام والوئام . وفي تقاربها يحدث التنافر والخصام والدمار والخراب … إننا نعيشه واقع ملموس لا يحتاج إلى تحليلات أو تكهنات أو مبررات أو ما شابه …