جاء في كتب علماء الاجتماع أنه وحيثما استعرت نار الحرب في أيّ بلد كان انتشر القتل وعمّت الفوضى، وانتهكت الحرمات، وتُعدِّي على الحدود، واستبدلت عدالة القانون الإنساني بقوانين مملكة الغاب، فلم يتبقَ ما ينشر به الفضيلة أو يمنع وقوع المنكرات إلا بقية من دين، فإن لم يكن للدين بقية في قلوب الناس جاءت الأعراف والعادات والتقاليد القبلية الموروثة عن الأباء والأجداد بما تحمله من موروث القيم والأخلاق لكي تصبح مرجعا للأحكام النافذة، ونقطة الإرتكاز لتقويم اعوجاج الأفراد والجماعات، وبداية للرجوع نحو الطريق القويم، بغية العيش في ظل كنف العدالة والمساواة في ظل دولة النظام والقانون.
هذا ما لمسناه يوم الامس السبت في مدينة الوهط عندما تداعي قادت الصبيحة مشائخ القبائل في عموم مديريتي طور الباحة وكرش،وذلك إستكمالا للخطوات السابقة التي شهدتها قرية عزافة في مديرية المضارية ورأس العارة تحت عنوان عريض (مصلحة الصبيحة والجنوب فوق كل إعتبار)ومن منظور عرفي قائم ومتعارف عليه بين القبائل اليمنية في مثل هكذا أحوال تشهدها البلاد مضمونها (نعم قد يغيب القانون وتضعف الدولة.. لكنها لا تضعف أو تنعدم الأعراف ) متجذرة قوية وثابتة.
حقيقة وبدون مبالغة رأيتني وانا أشاهد تلك الوجوه الباسمة تعتلي النواصي الشامخات السمر رأيتها وكأنها كانت تخفي خلف ملامحها الضاحكة عزم ثم حزم معقود بارادة لا تلين في تنفيذ ما تقرر او تريد… وفي لقاء ودي تقاطرت الكلمات كأنها الشهد من أفواه قادة ورموز الصبيحة ابتداء بمحافظ المحافظة اللواء التركي والفريق الركن محمود الصبيحي والشيخ بشير المضربي والشيخ حمدي شكري واصحاب المعالي الوزير الزعوري ونايب الوزير المحولي والقائد عبدالغني السروي وبقية المداخلات من المشايخ وبحضور قادت الألوية العسكرية الأمنية وبحضور مديري عام مديريتي كرش وطور الباحة في مشهد قل ان تجد له نظيرا كانت الكلمات نابعة من القلب لا يرى فيها تكلفا أو تصنعا أو مراوغة كما هو الحال أحيانا اثناء السماع لخطاب بعض القادة والساسة،و كما هو معلوم لدى الجنود المجهولين ممن يقفون خلف عدسة الكاميرا كنت واقفا هناك بجوار بعض زملائي لتوثيق لحظات الحدث مركزا على ادق التفاصيل ثم ولأول مرة وجدت نفسي تجبرني لوضع الكاميرا جانبا والجلوس في مقدمة الصفوف مستمعا لـ تتابع الكلمات والنصائح المطروحة في مشهد شعرت فيه بالسعادة والفخر حينها أدركت أن لا مستحيل أمام إرادة الوعي الجمعي، ولا مستحيل أمام وحدة الصف والكلمة والتعاضد والتكاتف على طريق الخير والحق، ولا مستحيل امام إنهاء معضلة الثأر ومشاكل قطع الطرقات وملاحقة عناصر التهريب والتخريب والإرهاب، ولا توجد صعوبة في تسليم أو انتزاع من يحتمون خلف جرائمهم بالقبيلة على حساب ظلم الناس بالباطل، وأن بإمكاننا أن نتوحد لنقف ضد كل من يسعى لإثارة القلاقل والفتن لتمرير وخدمة الأعداء بين أوساط المجتمع الصبيحي ..
وقعت الوثيقة العرفية بعد قبولها من معظم مشائخ مناطق الصبيحة عهدا وميثاق شرف لم يتخلف عنها إلا غائب ربما له عذره أو حاقد خوان يخشى أذيته ومكره، ولن يخالفها بعد ذلك الا امرء ذو عيب فيه صفات المنافقين مشكوك في سلامة معدنه وسمو أصله ، وهي مع ذلك أي (الوثيقة) مازالت بحاجة لتعاون الجميع، وتضافر جهود رجال مخلصين صادقين يترجمون أقوالها أفعالا، وهم يحثون الخطى للمضي قدما نحو تحقيق حقبة جديدة من التحضر والتطوير في مناطق الصبيحة ترتكز أسسها على الحب والتآخي وسلاحها العلم وعمودها العمل والإجتهاد بالبناء والتنمية، ليعم الازدهار والرخاء ويسود السلام في عموم أرجاء مناطق صبيح بن احمد.