بداية لابد من التأكيد هنا بأن الإتفاق بين السعودية وإيران؛ الذي رعته الصين التي سجلت بذلك حضورا جديدا ومتميزاً لها في المنطقة؛ وصدر على هيئة بيان ثلاثي؛ لا يمكن النظر إليه من زاوية الرغبة المشتركة بين البلدين وحرصهما على الإستقرار في المنطقة والتفرغ للتنمية فقط؛ بل هناك عوامل وظروف أخرى كثيرة دفعتهما لمثل هذه الخطوة وشكلت ضغطا كبيرا عليهما؛ وعلى الأقل من وجهة نظرنا ووفقاً لقراءتنا الشخصية المتواضعة.
فمما لا شك فيه بأن تصاعد حدة الأزمات الساخنة التي يشهدها العالم اليوم؛ وما يصاحبها من أزمات إقتصادية متعددة الأوجه؛ وإزدياد تأثيراتها السلبية على المنطقة؛ بالضرورة ستكون إنعكاساتها على السعودية وإيران مؤثرة جداً بالنظر لكثير من العوامل والظروف الخاصة بهما؛ ولإشتباكهما المباشر وغير المباشر في أكثر من بلد عربي وفي غير ذلك من الملفات الشائكة؛ ولهذا فإن إستباق تداعياتها المحتملة عليهما؛ قد دفع بهما لإتخاذ هذه الخطوة التي ما زالت نتائجها العملية منتظرة في ميدان إختبار النوايا والجدية في التطبيق.
كما أن للحرب في اليمن وضعها الإستثنائي الخاص؛ وكان لها دورها في هكذا إتفاق؛ بعد أن وصلت إلى مستوى ( الجمود ) و( العجز ) غير المعلن؛ وعدم قدرتهما على مواصلة القيام بنفس الدور وبنفس الأدوات التي تميزت بها الفترة الماضية من الحرب؛ مع إكتشافهما وربما إقتناعهما ولو كان هذا متأخراً؛ بأن حساباتهما على هزيمة كلا منهما للآخر على الأرض اليمنية لم تكن دقيقة؛ وقد جانبت الصواب وخابت تقديراتهما؛ حتى وإن تحققت لهما عدد من المكاسب التي لا يمكن إغفالها أو تجاهل تأثيراتها السلبية اللاحقة على تفاعلات المشهد السياسي العام في اليمن عموماً.
لذلك سيحرص كلا البلدين على إعادة التموضع في اليمن وبطرق ووسائل جديدة مبتكرة؛ وبما يحافظ على مكاسبهما السابقة؛ بهدف تعظيمها وإكسابها طابعاً ( ناعماً ) وبما يساعد على كسب ( حلفاء ) جدد ويضمن لهما أيضاً الحفاظ على ( الحلفاء ) السابقين وتجنيبهم المخاطر المحدقة بهم داخلياً؛ بعد إنكشاف الغطاء عنهم ولو جزئياً أو ربما مرحلياً؛ مع عدم قدرة هؤلاء ( الحلفاء ) على العمل والتصرف بالطرق والوسائل التي كانت تتبع مع غيرهم قبل الإتفاق – الصفقة !.
وفي ضوء الإتفاق المعلن عنه بين السعودية وإيران؛ ودون ورود تفاصيل لما تضمنه من بنود أخرى؛ فإن الترقب والحذر يصبح ضرورة وطنية قصوى لما قد يترتب على ذلك من تداعيات سلبية على وضع القضية الوطنية الجنوبية؛ وأخذ كل التدابير الممكنة والمتاحة لحماية المشروع الوطني الجنوبي؛ وبما يحصنه من شراك المكر والخداع والوقوع في كمين تاريخي جديد على غرار ما حصل عام ١٩٩٠م وربما أسوأ منه