الخميس , 21 نوفمبر 2024
لم يمر زلزال تركيا وسوريا دون تداعيات على المستوى السياسي في تركيا وفي سوريا.
ومع الإعلان عن انتهاء عمليات الإنقاذ في أغلب المواقع، فاق عدد قتلى الزلزال في البلدين 50 ألفاً، وتعرضت تركيا لزلزالين آخرين ومئات الهزات الارتدادية المدمرة.
هل تصل ارتدادات الزلزال إلى الانتخابات في تركيا؟
ضرب الزلزال تركيا قبل مئة يوم تقريبا من موعد الانتخابات، ما أضاف تحدياً جديداً لأردوغان الذي يسعى إلى ولاية رئاسية جديدة.
ويرى مراقبون أن تداعيات الزلزال قد تهدد مستقبله السياسي، فالأضرار المادية وتحديات إعادة الإعمار وتحول الملايين في تركيا إلى لاجئين دون مأوى، بالإضافة إلى الأصوات التي خرجت احتجاجاً على تأخر وصول فرق الإنقاذ والطوارئ إلى بعض المناطق، كانت جميعها مؤشرات لما ينتظر الرئيس التركي من تحديات في حملته الانتخابية.
كما تبادلت أحزاب المعارضة مع الحزب الحاكم في تركيا اتهامات بشأن استثمار الزلزال انتخابياً.
وكتبت ماري ديجيفسكي في الإندبندنت أن بعض الكوارث تحفز جملة من التغييرات، ربما كان تحقيقها يتطلب وقتاً طويلاً، أو ربما لم تكن لتتحقق أبداً لو لم تقع كارثة.
وقالت الكاتبة إن واحدة من أكثر الأمور التي لا يمكن أن تتغير، تتعلق بأردوغان نفسه، وما يخبئه المستقبل القريب لتركيا.
وتابعت ديجيفسكي بالقول إن السؤال الأكثر صعوبة هو عن مدى التأثير المحتمل للزلزال على طموحات أردوغان وسعيه ليكون وسيطاً إقليمياً.
وتساءلت الكاتبة: “هل سيكون انتباهه مركزاً على الكارثة وتداعياتها المحلية والثنائية مع سوريا مثلاً، وهل سيمنحها كل الوقت والجهد المطلوب الذي سينعكس إلى حرف انتباهه عن مشاريعه الأخرى، وخصوصاً مبادراته الدبلوماسية المتعلقة بروسيا وأوكرانيا؟ ولا سيما أنه يواجه اليوم حالة طوارئ في جنوب شرقي بلاده، وحملة انتخابات صعبة”، وفق ما قالت ديجيفسكي.
وتشير الكاتبة أيضا إلى حساسية المناطق المتضررة في تركيا ذات الأغلبية الكردية، وتلك التي تسيطر عليها المعارضة السورية في شمال سوريا، والمؤثرة في مستقبل أردوغان السياسي من جهة، ومصير العلاقة مع الرئيس السوري من جهة أخرى.
ويرى الخبير في مجلس العلاقات الخارجية (خلية تفكير مستقلة أمريكية) – هنري رولينز، أن الزلزال :قد يعيد تشكيل السياسات في تركيا وسورياـ فالرئيسان التركي والسوري قد يجدان في الكارثة التي أودت بحياة عشرات الآلاف، فرصة لتمديد حكمهما”.
لكنه أكد “أن الزلزال سيقلب حسابات الناخبين إلى حد كبير، وسيواجه أردوغان، رغم مهاراته السياسية، تسونامي من الغضب”.
وفي اتصال مع بي بي سي نيوز عربي، يقول مدير مركز إدراك للدراسات والاستشارات في تركيا، باسل حفار، إنه من المبكر توقع الآثار السياسية التي سيتركها زلزال تركيا. لكنه يرى أن حظوظ أردوغان في النجاح انتخابياً، قد ترتفع إن جرت الانتخابات في موعدها دون تأجيل.
ويؤكد حفار أن “الأتراك عموماً لا يميلون في مثل هذه الظروف الى المغامرة والذهاب نحو تغيير شامل جذري على مستوى الرئاسة وتركيبة الدولة التي تحكم منذ سنوات طويلة”.
وأضاف قائلاً إن هذا “هو السبب وراء مطالبة المعارضة بتأجيل الانتخابات، مشيراً إلى أنه ليس للمعارضة مرشح بعد. ولن يكون المرشح المنافس قادراً على تقديم نفسه وبرنامج الانتخابات في هذه الظروف”.
وقال حفار إن “الانتخابات البرلمانية مقبلة أيضاً، و”كانت هناك استطلاعات رأي تشير إلى تقدم حزب العدالة والتنمية. لكن نتائج الانتخابات سيحددها أداء كل من المعارضة والحكومة قبل موعد إجرائها، ولا سيما أداء ممثلي حزب الحاكم في المناطق المتضررة”.
ويرى حفار أن أداء الحزب الحاكم “كان مرضياً إلى حد ما بالنسبة للأتراك، وكان أعضاؤه حاضرين في المشهد ما بعد الزلزال. لكن المعارضة لم تقل كلمتها بعد”.
ويؤكد مدير مركز “إدراك” أن “تأجيل الانتخابات سيعني الاستسلام للأزمة. فالصورة التي تحاول أن تصنعها الحكومة والحزب الحاكم هي أن تركيا قوية وقادرة على مواجهة الأزمة وتبعاتها”.
وعن مدى استعداد المناطق للاقتراع في الانتخابات، يقول حفار إن المناطق جاهزة على المستوى اللوجستي. وقد بدأت الحكومة فعلاً في تسجيل أسماء الوافدين وإرساء وضع مؤقت لهم، يسمح لهم بممارسة حقوقهم بشكل طبيعي، مثل الإقامة والدراسة والاقتراع.
العلاقة بين تركيا وسوريا ومصير المعارضة السورية
يقول هنري رولينز من مجلس العلاقات الخارجية إن تركيا، التي تقع على نفس خطوط الصدع الجيولوجي مثل سوريا، هي خصم دمشق الأساسي في ذات المنطقة التي ضربها الزلزال. ومع ذلك، بحسب رولينز، كانت تركيا تناور مؤخرًا لإصلاح علاقاتها مع سوريا. ويمكن أن توفر الكارثة المشتركة الذريعة اللازمة لتسريع هذه العملية.
لكن ما هو الأثر الذي سينتج عن ترتيب العلاقة بين أردوغان والأسد، على مصير المعارضة السورية المدعومة سياسياً من تركيا؟
يقول باسل حفار إن هناك قلقا لدى الناس في مناطق شمال سوريا، حيث تسيطر فصائل المعارضة، “وهذا طبيعي بسبب القلق بشكل عام من كل شيء بسبب الحرب”، لكن على مستوى الفصائل، يشير حفار إلى أن هناك ثقة بالقيادة التركية.
ويتابع حفار قائلاً إن النظام في سوريا يبدي امتناعا عن الانفتاح على تركيا لسببين:
أولهما الخوف من قبول الأمر الواقع، أو من أن يتحول المؤقت إلى دائم. ما يعني وجود مناطق للمعارضة، وأن النظام لا يسيطر على جميع الأراضي.
وثانيهما، وفق ما ذكر حفار، هو أن التنسيق الأمني مع تركيا، يعني التنسيق ضد الطرف الآخر أو ما يسمى بالإدارة الذاتية. وأضاف قائلاً إنه “رغم رغبة النظام باستعادة الأراضي التي تسيطر عليها “قسد” (قوات سوريا الديمقراطية)، يخشى من الدخول في صدام مع الولايات المتحدة التي تدعمهم. وبالتالي لا تزال العلاقة مع تركيا ملفاً معقداً بالنسبة للنظام في سوريا”.
وقال حفار “إن النظام يعيش حالة انتعاش، لم يستطع معها إخفاء ضحكته خلال زيارة الأماكن المتضررة، وقد شكّل الزلزال رافعة لاستعادة التواصل معه”.
الزلزال يعيد التواصل العربي مع سوريا
على الجانب الآخر في سوريا، أدى وقوع الزلزال إلى فتح قنوات دبلوماسية مع الحكم في سوريا، بعد قطيعة دامت أكثر من عقد.
وتسارعت وتيرة الأحداث والمؤشرات التي بدت وكأنها تصب في صالح الرئيس السوري، فقد تلقى بشار الأسد اتصالات هاتفية من العاهل الأردني والبحريني والرئيس المصري، للمرة الأولى منذ 2011.
ورافق تلك الاتصالات زيارة وزير خارجية الإمارات، مع إعلان دولته عن قيادة حملة المساعدات إلى سوريا. وجاء وزير خارجية الأردن، أيمن الصفدي، إلى دمشق للقاء الأسد في أول زيارة من نوعها منذ اندلاع الخلاف بين الجارتين.
بعد ذلك أعلنت السعودية عن إرسال مساعدات إلى سوريا، لتحط طائرة سعودية محملة بالمساعدات في حلب، للمرة الأولى منذ أكثر من عقد.
وتحركت وفود رسمية أخرى إلى دمشق من الكويت ولبنان في زيارات غير مسبوقة أيضاً.
ولم يصدر أي خبر عن أي تواصل رسمي بين قطر والجهات الرسمية في سوريا، لكن الدوحة أعلنت إرسالها مساعدات إلى تركيا وسوريا.
الأهم، كان تسريب خبر في وكالات أنباء عن زيارة مرتقبة لوزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان بن عبدالله إلى دمشق، الأمر الذي رفض الوزير المعني التعليق عليه في مؤتمر ميونخ، لكنه أضاف قائلاً إن الوضع في سوريا يحتاج إلى مقاربة جديدة.
وبرز في الجانب المقابل، تركيز الإعلام السوري الرسمي على المساعدات الآتية من الدول العربية والتحركات الدبلوماسية تجاه الحكومة والأسد.
وأصرت دمشق على حصر التعامل معها في ما خص المساعدات إلى المناطق المنكوبة، وأعلنت الحكومة موافقتها على تسهيل إيصال المساعدات على جميع المناطق، بما في ذلك تلك التي تقع خارج سيطرتها.
دمشق تؤكد وصول المساعدات “دون تمييز” والمعارضة تنتقد “بطء” الأمم المتحدة
وهذه المرة ظهر العلم الرسمي السوري، إلى جانب العلم التركي تضامناً مع الضحايا خلال النقل المباشر لمباريات الدوري الإسباني.
وحذرت الكاتبة، كيم غطاس، في صحيفة الفايننشال تايمز من أن يمنح الزلزال الأسد، شرعية العودة إلى المجتمع الدولي، فهو “يقدم نفسه الآن كحل للمشاكل الشريرة التي أوجدها، ويمثل ذلك الديكتاتور الذي يستخدم زلزالا مميتا لإعادة تأهيل نفسه مع المجتمع الدولي أثناء التقاط الصور في منطقة منكوبة مع زوجته”.
لكن على الصعيد العربي، تسارعت وتيرة التقارب أو ما وصفته بعض الصحف العربية بأنه “تطبيع مع دمشق”.
وزار بشار الأسد سلطنة عمان في 20 شباط/فبراير، وهي المرة الثانية التي يزور فيها السلطنة ويلتقي بالسلطان هيثم من طارق. وكان قد زارها في مارس/آذار 2022 ضمن رحلة زار فيها الإمارات أيضاً وذلك ضمن جهود إعادة فتح القنوات الدبلوماسية.
ونشرت صحيفة الشرق الأوسط السعودية أنباء الزيارة قبل أن تحط طائرة الأسد في مسقط، كما قالت الصحيفة إن الرئيس السوري سيتجه إلى الإمارات أيضاً.
ولفت الكاتب إبراهيم حميدي إلى أن الخطاب السياسي الخارجي بات يستعمل «حكومة» وليس «نظاماً»، لكن هذه الحكومة لا تزال خارج إطار الجامعة العربية، وهناك قطيعة من عواصم عربية وغربية رئيسية مع دمشق، إضافة إلى وجود قائمة طويلة من العقوبات الاقتصادية والمسائلات والتقارير والاتهامات ضد مؤسسات وشخصيات سورية.
وقال حميدي إن الاتصالات والزيارات الرسمية العربية مع الأسد أسفرت أيضاً عن مرونة إضافية، تمثلت بخطوات إجرائية وقبول مساعدات وطائرات إغاثة واتصالات من دول عدة .. وصولاً إلى زيارات ميدانية إلى مناطق الزلزال وإلقاء خطاب رسمي جديد شكلاً ومضموناً.
وأشار إلى أنه حضر في النص المكتوب والملقى أمام الكاميرا، الحديث عن مواساة السوريين والحوار وشكر الأشقاء العرب والأصدقاء… و”غابت أيضاً أي إشارة إلى الحلفاء، أي إيران وروسيا”.
وبرز حديث وزير الخارجية السعودي على هامش مؤتمر ميونخ للأمن، عن إجماع “بدأ يتشكل في العالم العربي، على أنه لا جدوى من عزل سوريا وأن الحوار مع دمشق مطلوب في مرحلة ما حتى تتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية بما في ذلك عودة اللاجئين”.
وتعليقاً على الموقف السعودي، يقول الأكاديمي والباحث السعودي الدكتور خالد الدخيل لبي بي سي نيوز عربي، إن الوزير السعودي “قال لا بد أن يتغير الوضع في دمشق، وقال أيضا لا يوجد تغيير إلا بالتواصل مع دمشق”.
لكنه تساءل قائلاً “من يستطيع التحدث إلى بشار الأسد وإقناعه بالتغيير في سوريا؟، و إذا أراد الأسد العودة إلى الجامعة العربية، لا بد من التحرر من النفوذ الإيراني”.
كما يضيف الأكاديمي والباحث السعودي: “نحن مع المساعدات الإنسانية لكن لسنا مع الانفتاح السياسي على بشار في الوقت الراهن”.
ويتابع بالقول إن الأسد “استقدم إلى بلاده جيوشا أجنبية وميليشيات ودمر مدنا والآن يقول ساعدوني. أخرج أولاً من الذي أتى بك إلى هذا الحال”.
وأضاف الدخيل قائلاً إن كنا نتحدث عن وضع أسس الانفتاح على سوريا، “هناك معارضة يجب التعامل معها”؟ ويجب العمل على تحقيق ” الحل السياسي السوري بين النظام والمعارضة”.
لكن الدخيل قال أيضاً إنه يتوقع تطبيع العلاقات العربية مع سوريا، وإن زيارة وزير الخارجية الأردني إلى دمشق، لم تمثل الأردن فقط. بالإضافة إلى أن هناك تحركات عربية في هذا الاتجاه.
وأكد أن الرياض “ليست بمعزل عن هذه التحركات، لكن لديها شروط أكثر من غيرها – موضوعان أساسيان حزب الله وإيران، فماذا ستقدم دمشق؟ لا يمكن للسعودية أن تطبع بالمجان”.
ويجدر بالذكر أنه عادة ما يجري التنسيق بين دول مجلس التعاون الخليجي حول المواقف الخارجية مثل حرب اليمن، أو عند اتخاذ إجراءات ضد قطر أو لبنان كما حدث سابقاً.
ومن الواضح أن الكارثة الإنسانية التي حلت بسوريا، منحت غطاء لتسريع خطوات ترميم العلاقة بين دول عربية ودمشق.
لكن كيف سيترجم التقارب العربي السوري في سوريا والمنطقة؟ وما هي النتائج التي قد تتركها عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، على مستقبل العلاقة مع إيران؟ تلك أسئلة قد تظل مطروحة ولو إلى حين.
اعلامي جنوبي
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 21, 2024