أليس عجيباً أن يكون اليمن مشطوباً في خطاب خامنئي عند تحديده العمق الاستراتيجي لنظامه، وأن يكون حاضراً بقوة في مشروعه التدميري في المنطقة العربية.
خطاب “خامنئي” المرشد الأعلى للنظام في إيران، منذ أيام، شرح كيف أنهم أفشلوا خطط أمريكا في الدول العربية التي يعتبرها عمقاً استراتيجياً لدولة إيران الاسلامية، وذكر على وجه التحديد سوريا والعراق ولبنان والسودان والصومال.. وحتى ليبيا، وتجاهل اليمن، في حين انهم في الحقيقة لا يواجهون أمريكا في هذه البلدان ، فقد رأينا كيف سلمت لهم أمريكا العراق ، وكيف تخلت ادارة أوباما عن سوريا ، وكيف تركت الصومال للفوضى ..الخ .
هناك أسباب تجعلنا نعتقد انها تقف وراء تجاهله ذكر اليمن ضمن دول ” العمق الاستراتيجي” التي أفشلت فيها إيران “مخططات” أمريكا، كما قال، ربما كان من بينها أنه لا يرى أمريكا في اليمن، أو أنه يراها “خفيفة ظل” لا تشكل عقبة أمام تدخله في اليمن وما تمارسه فيه من عبث، وخاصة بعد أن شطبت إدارة بايدن الحوثيين من قائمة الارهاب في بداية عهدها عام ٢٠٢٠، لكن ، من وجهة نظري ، هناك سببان أساسيان يقفان وراء ذلك ، أو أحدهما على أقل تقدير :
يريد نظام إيران أن ينأى بنفسه عن الحرب التي أشعلها الحوثيون، والتملص من الجرائم والأعمال الإرهابية ومن كارثة الدمار التي حلت باليمن من جراء ذلك، وخاصة بعد أن وصلت المأساة حالةً لا يستطيع معها النظام الإيراني أن يورط نفسه فيها على أي نحو كان، وربما توصل إلى قناعة بأن ملف الكوارث التي خلقها في المنطقة صار بحجم لا يستطيع معه أن يضيف هذه الكارثة الكبرى إلى مسئوليته، وأن من الأولى له أن يواصل دعمه لها بصمت وبعيداً عن الأضواء الكاشفة للجرائم التي ترتكب بسبب هذا الدعم.
أنه لا يرى اليمن مؤهلاً ليكون مكوناً في “عمقه الاستراتيجي” لأسباب تتعلق بإدراكه بحتمية فشل مشروعه في هذا البلد العريق، وأنه لا يرى المليشيات الحوثية سوى أدوات قتل ونهب وفوضى، وأنه يستخدمها فقط كشوكة في خاصرة المنطقة لاستنزاف مواردها، وتصدير أزماته الداخلية، وإقلاقها بمزيد من الابتزاز. ولا يعنيه شيئاً أن يدمر اليمن ويقتل ويشتت أبناءه.
لم يكن عدم ذكر اليمن في خطاب خامنئي الشهير عن “العمق الاستراتيجي” لنظامه هفوة أو نسياناً، بل كان موقفاً مبنياً على فهم بإشكالية ما يعنيه ذكر اليمن من اعتراف بدعم هذه الجرائم التي ترتكب بحق الشعب اليمني، وهو لم يخطئ التقدير حينما تجاهل ذكرها ، لأن اليمن لن تكون سوى لأبنائها ، ولبنة قوية في عروبة المنطقة انتماءً وثقافة ومصيراً.