الجمعة , 22 نوفمبر 2024
باتت مسلسل الاغتيالات عادة شبه يومية في صنعاء، تستهدف قيادات مليشيات الحوثي وغيرهم.
ويعكس تكرار حوادث الاغتيال على نحو لافت، حدة صراعات الحوثيين الداخلية، حتى أصبحت قيادات المليشيات الانقلابية نفسها عاجزة لا تتحرك بدون قوة من حراسة التأمين الخاصة التي تعمل تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني.
ولم يعد قيادات الصف الأول للحوثي وحدهم هم أهداف عمليات الاغتيال، التي طالت أيضا شخصيات ليس لها أدوار أمنية وعسكرية بل، وحتى المدنيين الأبرياء.
ويصف خبراء يمنيون تحدثت معهم “العين الإخبارية”، الاغتيالات في صنعاء بأنها ليست بريئة، ولا عابرة، وأنها تعطي دلالات واضحة ورسائل صريحة عن صراعات داخلية حوثية وعن تصفيات الحوثي لخصومه.
جريمة تلو جريمة
مساء يوم 16 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، لم يكن الدبلوماسي اليمني البارز اللواء درهم نعمان يتوقع أن يأتي له الحوثيون، من أقرب الناس إليه ليسدد في جسده عدة طلقات.
فالرجل الذي كان مقربا من الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح وكان آخر منصب له سفير اليمن في إثيوبيا، تعددت الروايات بشأن مقتله، من بينها أنها تمت عبر أحد أصدقائه، ما يشير إلى بصمات الحوثي الذي تمرس على هذا النوع من الاغتيالات، خاصة وأن الرجل يقيم بصنعاء.
وبعد ساعات فقط من اغتيال نعمان، وقعت جريمة أخرى، باغتيال قيادي حوثي يدعى عبدالكريم المراني.
وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري اغتيلت الشابة اليمنية فاطمة محمد عبدالله الجبري طعنا من قبل عصابة مسلحة في بلدة المهندسين بمديرية الطيال خولان بريف صنعاء.
وبدلا من أن تضع مليشيات الحوثي حدا للاغتيالات، استغلت الفرصة كعادتها للاستعراض بزعم “القبض على الجناة” في وقت قياسي، وهو ما لم يكن إلا نوع من التكتيكات لسحب أنظار الرأي العام إلى قضية جنائية، كون عشرات الجرائم المشابهة انتهت إلى مسرحيات هزلية أعدها الانقلابيون مسبقا، بحسب ما ذهب إليه طيف واسع من المراقبين.
فأقرب جرائم الاغتيالات وقعت قبل أيام وطالت ما يسمى رئيس حزب اليمن الحر وعضو مجلس الشورى الحوثي ناصر العرجلي والذي اعترضه مسلحون شمالي صنعاء وأطلقوا عليه وابلا من الرصاص، ما أدى إلى إصابته بجراح خطيرة، وقُتل شقيقه، ردفان العرجلي.
وسبق ذلك، في 10 و11 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قيام مليشيات الحوثي بتصفية زعيمين قبليين هما، بكيل عائض شبيح الصرفي وعادل شبيح، أحدهما لدى مروره في شارع مأرب بصنعاء، والآخر بعد شن حملة عسكرية على مسقط رأسهما، بقرية صرف في مديرية بني حشيش، شمالي صنعاء.
ويعد شهرا أكتوبر/تشرين الأول وسبتمبر/أيلول الأكثر فتكا من حيث عمليات الاغتيالات بصنعاء، إذ يشير تركزها على قيادات بارزة إلى تخلص ممنهج من كل الذين يمتلكون المعلومات في إدارة الدولة والقبيلة، وتعتقد المليشيات الإرهابية أنهم يشكلون خطرا على مستقبلها.
ويعد أوضح مثال على ذلك هو عملية الاغتيال التي طالت عضو المحكمة العليا القاضي محمد حمران، والذي تعرض لحملة تشهير وتحريض ممنهج قبل أن يتم اختطافه وتصفيته بالرصاص الحي جنوبي صنعاء، واغتيال البرلماني والقيادي في حزب البعث محمد عبدالله الكبسي أمام منزله في حي “الحصبة” في قلب العاصمة.
تصفيات حوثية بينية
ليس هناك تفسير للاغتيالات في صنعاء مؤخراً، سوى أن الحوثيين ذاتهم هم من يقفون خلفها، لأنها بالفعل لم تقترب من قيادات الصف الأول للحوثيين، بينما طالت الصف القيادي الثاني.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، عثر في مايو/أيار الماضي، على قيادي حوثي يعمل في الجهاز الأمني المرتبط بزعيم المليشيات يدعى علي المرتضى مذبوحًا في منزله بالعاصمة صنعاء.
وفي يونيو/حزيران اعترض مسلحون على خط مطار صنعاء الدولي القيادي الحوثي القبلي أبو فضل يحيى منير الحنمي المنحدر من مديرية بني حشيش شمالي صنعاء وأطلقوا عليه النار، فقتلوه و2 من مرافقيه.
وفي يوليو/تموز الماضي، تعرض القيادي الحوثي الأمني البارز داوود الرازحي، لعملية اغتيال غامضة، وبينما زعمت المليشيات أنه تعرض لحادث سير، قالت وسائل إعلام محلية إنه تعرض لوابل من النيران مع أسرته ما أدى إلى مقتله في صنعاء.
وفي ذات الفترة، شهدت أمانة العاصمة بقلب صنعاء، حيث ينتشر آلاف العناصر الحوثية وعناصر الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، 124 جريمة سمتها مليشيات الحوثي “قتل عمد”، لكن حقيقتها اغتيالات ومحاولات اغتيالات طالت العديد من الشخصيات.
وفي أغسطس/آب الماضي قتل نجل القيادي الحوثي علي ناصر الجراشي، الذي يتولى منصب مدير شرطة مديرية بني ضبيان، في كمين مسلح تعرض له في خولان، أثناء زيارته لإحدى مناطق بني ضبيان، جنوب شرق صنعاء.
وفي حادثة مماثلة في ذات الشهر، قتل القيادي الحوثي حيدر سعيد آل سعيد، في كمين مسلح، بمنطقة حوث، في الطريق الرابط بين صنعاء وصعدة، وهو أحد أبرز تجار الممنوعات.
ويرى خبراء يمنيون أن عمليات الاغتيالات في صنعاء تعد أحد فصول حرب التصفيات التي تنتهجها المليشيات الحوثية في إطار الصراع بين أجنحتها، فيما يعتبرها البعض مجرد إفلاس حوثي لنشر القتل اليومي في ظل قانون الغاب الذي تفرضه المليشيات الإرهابية.
وقال المحلل السياسي اليمني عبدالسلام القيسي لـ”العين الإخبارية”، إن “الاغتيالات في صنعاء ترجع إلى منافسات بعض البيوت السلالية والتي صارت هدفاً لمليشيات الحوثي فضلا عن حرب نفوذ ومصالح بعد أن مكن الحوثيون عناصرهم في كل مفاصل الدولة”.
وحول استغلال حراك السلام في تخلص الحوثي من منافسيه، أوضح القيسي أن المليشيات لن تذهب لأي سلام وهي حالياً تتخلص من كل القيادات التي يمكن أن تكون شريكاً في طابور الداخل لتحقيق السلام.
ودلل القيسي بأن الاغتيالات الأخيرة طالت شخصيات لا تنتمي للحوثي، ولم تكن طرفا في المواجهة، مؤكداً أن السلام كان سيبنى على هؤلاء الذين صمتوا ولم يتورطوا في سنوات الحرب، وهو ما يخيف المليشيات وجعلها تسعى للتخلص منهم بتصفيات ممنهجة ومدروسة.
وحذر المحلل اليمني من حملة تصفية حوثية للقيادات المتفق حولها أنها وطنية كي ينفرد الحوثيين بالسيطرة على صنعاء.
وأضاف أن “المليشيات بدأت بحملات تشويه لقيادات مؤتمر صنعاء، والآن ماكينة الاغتيالات تدور، وسيبتدع ألف طريقة وطريقة ومنها إنهاء الإقامة الجبرية بحق بعض الشخصيات الوازنة في المشهد اليمني”.
من جهته، قال الكاتب والقيادي السياسي اليمني فيصل الصوفي، إن “هناك صراعا داخل الفرقة الهاشمية، كونها لا تأتلف بل تفترق، وهناك بيوت حوثية صارت هدفاً للمليشيات التي تخشى منافستها لها على المدى الاستراتيجي”.
وأشار إلى أن الصراع الأهم يدور حول “الأداء السياسي والإداري للجماعة، فالقرارات والتوجيهات المتعلقة بالشأن التنظيمي والشأن العام مصدرها جهة واحدة، هي زعيم المليشيات عبدالملك الحوثي”.
وقال إن “هذا الاحتكار الذي تصاحبه أخطأ سياسية واقتصادية واجتماعية ماحقة، لا يتقبله كل السلاليين الناصحين، الذين يعتقدون ضرورة مشاركتهم في اتخاذ وإصدار القرار”.
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 20, 2024
نوفمبر 20, 2024