في زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة إلى روسيا كثيرٌ مما يجب أن يذكر وما يجب استحضاره. ففي أزمنة الحروب تغيب الحكمة إلا عند قلة من الرجال، الذين يؤمنون برسالتهم التي يحملونها، هذه مهمة ليست تقليدية لا يتقدم لها غير الشجعان، ولذلك بادر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ليقوم بالمهمة لوضع حلّ لأزمة أخذت تدخل منعطفاً قد لا يكون بعده من فرصة لوقفها، خاصة أن الاستقطاب السياسي بين القوى المتصارعة وصل إلى الذروة وباتت الحرب تقبل التوسع أكثر من نطاقها في أوكرانيا. تتمسك الإمارات في سياستها الخارجية بموقف الاستعداد التام لدعم الجهود الهادفة إلى إيجاد حل سلمي للأزمات الدولية، وتجدد كل مرة موقفها المتمثل في الدعوة إلى الدبلوماسية والحوار واحترام قواعد ومبادئ القانون الدولي. ومنذ اندلاع الأزمة اتخذت الدبلوماسية الإماراتية، بحكم عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن، سياسة الحياد الإيجابي وعبرت عن دعمها لكافة الجهود التي يمكن أن تجنب المدنيين واللاجئين الأوكران وغيرهم من تأثيرات الحرب، كما أن الجهد الإماراتي كان داعماً لجهود ضمان تواصل التدفقات الغذائية من الموانئ الروسية والأوكرانية ضمن الاتفاقيات الدولية. تأثيرات الحرب التي انعكست على مجال الطاقة شكلت أزمة تتفاقم يوماً بعد آخر على دول العالم، نتيجة تداعيات العقوبات الاقتصادية، كما أن اقتصاديات العالم المنهكة بعد جائحة كورونا لم تتعاف، وثمة ركود اقتصادي يلوح في المدى القصير، وهو ما استدعى من دول «أوبك بلس» تخفيض الإنتاج العالمي من النفط للحفاظ على توازنات العرض والطلب، وضمان الأسعار العادلة التي تضمن حقوق الدول المنتجة، تحدٍّ خطير للغاية يمر به العالم يستدعي خطوة توقف التدهور والانزلاق في صراع لن ينجو منه أحد. من الواضح أن أقطاب الصراع افتقدوا إلى الثقة فيما بينهم، ولم تعد بينهم جسور اتصال يمكن بها تقريب وجهات النظر، خاصة بعد عمليات تخريب أنابيب الغاز وضرب جسر القرم والسلاح المتدفق على ساحة المعركة، فكان لابد من تدخل سياسي ثقيل بحجم الشيخ محمد بن زايد لما يتمتع به من ثقة لدى الأطراف، وهو ما انعكس مباشرة في حفاوة استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والترحيب العالمي بالخطوة الإماراتية الشجاعة لتلعب دور الوسيط لحلحلة الأزمة وفتح نوافذ الحوار الدبلوماسي، بدلاً من الاستقطابات الحادة. صناعة السلام ليست مهمة يسيرة في ظل أزمة دولية، لكنها ممكنة، وهو ما تبذل فيه الإمارات مساعيها مع دول محورية في الشرق الأوسط على رأسها مصر والسعودية، فهذه دول تمتلك من الأرصدة السياسية القادرة على التأثير الفاعل لخفض منسوب التوتر، وفي هذه المرحلة من الأزمة يجب العودة إلى العقلانية وعدم تسييس القضايا الاقتصادية في صراع سينعكس على الشعوب مع دخول موسم الشتاء في شمال القارة الأوروبية، ولذلك من المطلوب العودة خطوة إلى الوراء مراعاة لعدم الزج بالشعوب في مزيد من التدهور الاقتصادي. محمد بن زايد يمثل في هذا التوقيت من التاريخ الشخصية التي تعول عليها دول العالم لإخراجها من نفق الحرب، فلا يمكن الاستهانة بالتلويح باستخدام الأسلحة النووية، وما يمكن أن تنتج من تأثيرات على مستقبل البشرية، لذلك فإن اللحظة تستدعي الحكمة، فإشعال شمعة خير تضيء نحو الحل أفضل من الاستمرار في التصعيد المتبادل، وهو ما يجب أن يسترعيه المجتمع الدولي بدعم الجهد الإماراتي للوصول إلى نتيجة إيجابية لحرب فتاكة قد تقود لحرب عالمية ثالثة لا أحد له طاقة بها، فهذه فرصة مواتية صنعها رجل شجاع بحكمة بدأها في روسيا وحصادها للعالم