الخميس , 17 يوليو 2025
/تقرير/هشام صويلحتحلّ الذكرى العاشرة لمعركة الضالع الكبرى، لا كحدث عسكري عابر، بل كمحطة مفصلية أعادت تعريف العلاقة بين الجنوب ومحيطه، وبين فكرة المقاومة وفعل الانتصار. في هذه الذكرى، تعود الذاكرة الجمعية الجنوبية إلى لحظة اشتعال الأرض تحت أقدام الغزاة، وصعود مشروع التحرير من بين أنقاض الخراب، ليصوغ الجنوبيون سرديتهم من جديد على وقع الصمود والتضحيات. هذا التقرير يجمع بين الرواية الرسمية والقراءة التحليلية، ويغوص في شهادات من قلب الحدث لرصد ما تمثله الضالع في معادلة النصر، والسيادة، والهوية.الانتصار الذي فاجأ الجميعتحدث الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عن ملحمة الضالع باعتبارها البداية التي دشنت لمرحلة جديدة في مسار المقاومة الجنوبية، قائلاً: “إنها معركة غيرت المعادلات وأعادت صياغة الجغرافيا بمعايير الشرف والبطولة”. وقد أكد الزُبيدي على أن الضالع لم تكن فقط ساحة نزال بل مصنعاً للرجال، حيث تشكل الوعي القتالي الجنوبي، واختُبرت فيه قدرة الإرادة على مواجهة المشروع الحوثي-الإيراني.من جانبه، وصف الشيخ راجح باكريت معركة الضالع بأنها “علامة فارقة في تاريخ العرب الحديث”، مشيراً إلى أنها كانت التجربة الأولى التي كسرت فيها مليشيات الحوثي تكتيكياً، وهُزمت معنوياً أمام عزيمة شعبية يقودها مقاتلون لا يملكون سوى الإيمان بالقضية.تحليل استراتيجي للمعركةيرى الصحفي أسامة جريدان أن “الضالع لم تنتصر بالعتاد، بل انتصرت بالعقيدة والانتماء”، وهو ما يجعلها نموذجاً لا يتكرر كثيراً. ويضيف أن الضالع لم تكن فقط جبهة قتال بل مختبراً لمستقبل الجنوب، حيث تماهت فيها المقاومة مع الناس، والجبهة مع الشارع.أما الدكتور صدام عبدالله، فيؤكد أن معركة الضالع “عرّت كل دعاوى الحوثي حول وحدوية القتال أو شراكة القوى اليمنية”، وأثبتت أن الجنوب هو الذي يخوض معاركه بشكل مستقل، وهو ما أثار حفيظة جماعة الحوثي التي عمدت لاحقاً إلى انتقام مركّب من الضالع ومناطق الجنوب عموماً.وتعتبر الكاتبة روعة جمال أن الضالع، وعلى مدى عشر سنوات، لم تتخلَّ عن دورها في مواجهة المشروع الحوثي، بل حافظت على صدارة الفعل النضالي، وهو ما يجعلها اليوم هدفاً لحملات ناعمة تحاول النيل من رمزيتها. وتقول إن ما لم تحققه مليشيات الحوثي في الحرب تحاول تحقيقه اليوم قوى ما بعد الحرب.كيف صنعت الضالع النصر؟وفقاً للباحث الدكتور مساعد الحريري، فإن تاريخ الضالع هو تاريخ للتمرّد على كل أشكال الاستعمار والهيمنة، مؤكداً أن ما جرى عام 2015 لم يكن مفاجئاً لمن يعرف تاريخ هذه المدينة. ويشير إلى أن جذور المقاومة المسلحة في الضالع تعود إلى ما قبل الحرب، حيث كان السكان يتهيؤون دائماً لأسوأ السيناريوهات، وكانوا يدركون مبكراً أن المعركة قادمة.أما صالح الصالحي، رئيس تحرير موقع النقابي الجنوبي، فقد استعاد تفاصيل المعركة من الميدان قائلاً: “الضالع تحولت إلى براكين ملتهبة، حاولت المليشيات اختراقها مرات ومرات لكنها اصطدمت بأشباح قاتلة، وصفهم الحوثيون أنفسهم بأنهم مقاتلون خارقون”. ويضيف الصالحي أن الدعم السعودي-الإماراتي جاء لاحقاً ليعزز ما أسسته المقاومة الجنوبية على الأرض، لكن العنصر الحاسم كان في التنظيم المسبق الذي أعدته حركة (حتم) بقيادة عيدروس الزُبيدي منذ عام 1996ويشير الصالحي إلى أن عملية تحرير المدينة تمت بتخطيط دقيق من الزُبيدي نفسه، حيث تم تنفيذ عملية التفاف معقدة استهدفت الجبل المطل على المدينة في خطة سُميت بـ”الخطة رقم 1″، وهي الخطة التي فاجأت الحوثيين وأعادت التموضع الميداني لصالح المقاومة
في ذاكرة الجيل ومخيلة الأمة
يكتب ناصر محمد المشجري، الكاتب الجنوبي، مستعيداً مشاهد الأيام الأولى للمعركة: “كنا نتابع بقلوبنا، وكان الفخر يغمرنا، فقد كسر رجال الضالع شوكة الفرس وأحلام الاستبداد، حتى العدو نفسه قالها: لم يقاتلنا أحد قتال رجال كما فعل أهل الضالع”.
يضيف المشجري أن الأثر العاطفي لهذا الانتصار لا يزال متجذراً في نفوس الجنوبيين، وأن الضالع كانت ولا تزال “صخرة العروبة التي انتصرت في الماضي وتنتصر في الحاضر لأمتنا العربية”. هذا النصر، كما يراه، هو حجر الزاوية في كل مشروع جنوبي، لأن ما بُني عليه من تضحيات لا يمكن التفريط به.
من نار المعركة إلى نار الوعي
بعد مرور عشر سنوات، ما تزال الضالع تقول للجميع إن المعارك ليست فقط جبهات نار، بل جبهات وعي. من ينسى معركة الضالع، ينسى أول الطريق إلى الجنوب الجديد، ومن يحاول طمس رمزيتها، يطمس البوصلة التي أضاءت ليل الاحتلال والجحافل الحوثية.
وبينما تستمر محاولات اختراق الجنوب الناعم، فإن ذكرى الضالع تُعيد كل مرة تذكير الجنوبيين بأن النصر لا يُهدى، بل يُنتزع من بين فكيّ الغزاة. هي ليست ذكرى للحنين، بل محطة للتجديد، واستدعاء لكل ما يجعل من قضية الجنوب قضية أمة، لا قضية جغرافيا فقط.
الضالع اليوم، كما بالأمس، تختصر المعادلة: لا تسقط الراية ما دام في الجنوب رجال يكتبون التاريخ بالدم، ويحرسونه بالوعي.
يوليو 17, 2025
يوليو 17, 2025
يوليو 17, 2025
يوليو 17, 2025