القمندان نيوز – كتب/ هاني مسهور
لم يكن الرئيس الأميركي جو بايدن مضطراً لينشر مقالاً في صحيفة واشنطن بوست لولا الحسابات الحزبية وسيطرة اليسار الليبرالي على الحزب الديمقراطي. عبر العقود الثمانية توالى الرؤساء الأميركيون على زيارة السعودية منذ اللقاء على ظهر السفينة كوينسي الذي جمع الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود والرئيس فرانكلين روزفلت في العام 1945، ومن بعده امتدت علاقة مهمة ووازنة في الشرق الأوسط والعالم.
من المهم قراءة الولايات المتحدة كما هي فالتنافس الحزبي يبدو أنه عمل على خلق تأثيرات سياسية عميقة لم يكن اقتحام الكونجرس في 2021 إلا حادثة تؤكد حجم الانقسام السياسي الأميركي وهو ما انعكس على سياسات البيت الأبيض الذي يبدو أنه يعيش تحت ضغط من اليساريين الليبراليين وهم القاعدة الانتخابية للحزب الديمقراطي في العقدين الأخيرين على الأقل، ما تعيشه الولايات المتحدة من جدليات أثّر في تباين التقديرات السياسية الاستراتيجية بين الحزبين المتنافسين الديمقراطي والجمهوري.
الرئيس جو بايدن كمن صعد أعلى الشجرة ويريد النزول منها، والأسوأ من أنه صعد إلى أعلى الشجرة أن متغيرات دولية متسارعة تصعّب عليه وعلى حزبه النزول الآمن، ومهما يكن فإنه على ما يبدو في ورطة حقيقية يدفعها نيابة عن الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي عقد اتفاقاً نووياً مع إيران دون مراعاة لحسابات دول الشرق الأوسط وحساسية امتلاك طهران للسلاح النووي، ذلك الاتفاق الذي ألغاه الرئيس السابق دونالد ترامب لم يكن أصلاً بايدن في حاجه للعودة إليه دون اشتراطات تصحح الاتفاق الأول.
الوعد الانتخابي الذي كان ضمن مناكفة الرئيس ترامب هو واحد من معضلات الإدارة الأميركية منذ دخل بايدن البيت الأبيض، في الوقت الذي تكرست فيه السياسات للعودة إلى الاتفاق انسحب الجيش الأميركي من أفغانستان بطريقة مرتبكة لانشغال الأميركيين بمفاوضات الاتفاق النووي المعقدة في العاصمة النمساوية فيينا، وجاء قرار تجميد صفقات السلاح المبرمة مع السعودية أيضا في وقت كانت فيه الرياض تدافع عن نفسها من هجمات ميليشيات الحوثي الانقلابية في اليمن.
“عقيدة أوباما” بمنهجيتها المعتمدة على الانسحاب من الشرق الأوسط هي المشكلة الكبرى التي تواجه السياسات الأميركية فالواقعية تفرض أن الانسحاب سيشكل اختلالات كبرى ستعصف بالعالم تماماً كما حدث بعدما تم الدفع بأوكرانيا لتوسيع حلف الناتو، مما استفز الدب الروسي الذي دخل حرباً لم تدفع ثمنها أوروبا فحسب بل كل دول العالم، بعد التسبب في نقص المعروض العالمي من القمح والأزمة الحادة في نقص الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما صنع معضلة كبرى تنذر بتبعات اقتصادية مخيفة خاصة وأن الأسواق العالمية مازالت في طور التعافي من جائحة كورونا.
شعبوية اليسار الليبرالي التي تبناها الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة هي التي دفعت إدارتي أوباما وبايدن لاتخاذ سياسات متصادمة مع الحلفاء. إطلاقا، لم يكن بايدن في حاجه إلى أن يستبق زيارته إلى السعودية بمقال يبرر فيه استدارته السياسية نحو واحدة من أهم حلفاء واشنطن عبر التاريخ، فحوى المقال وما ورد فيه الموجه نحو الناخبين للحزب الديمقراطي أيضاً يؤشر إلى مدى قلق بايدن وإدارته من الانتخابات النصفية في نوفمبر القادم وهذه إشارة لحقيقة تراجع الشعبية وارتفاع معدل التضخم والوضع الاقتصادي المتراجع الذي أثّر على قيمة الدولار في أسواق المال.
كان المأمول من الإدارة الأميركية استغلال منجز إدارة ترامب التي نجحت في رعاية الاتفاقيات الإبراهيمية بين إسرائيل وعدة بلدان عربية بتوسيع دائرة التطبيع، غير أن المناكفة الحزبية أخذت إدارة بايدن إلى طريق آخر تماماً وفوّتت فرصة كانت مواتية لفعل ما هو مهم في الشرق الأوسط بما يمكن حل القضية الفلسطينية بمقاربة تبدو مواتية للغاية في حال تم توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية.
وبالعودة إلى مقالة الرئيس بايدن لتبرير زيارته إلى الشرق الأوسط، فإنها تظهر ما عليه الولايات المتحدة من أزمة سياسية غير مسبوقة في التاريخ السياسي الأميركي القريب، فليس من المنطق أن يحتاج رئيس أقوى دولة في العالم ليبرر زيارة سياسية لفئة داعمة له ولحزبه في انتخابات داخلية، لذلك حتى ترميم العلاقات مع الدول المحورية في الشرق الأوسط لن يتجاوز الوعود التي ينتظر من الولايات المتحدة نثرها على دول المنطقة. بينما الأهم، وهي الضمانات، فلا يبدو أن إدارة مترددة تستطيع تقديمها بشكل مقنع لعواصم اتخذت قراراً حاسماً بالحياد في الصراع الدولي القائم والذي سيفضي إلى نظام عالمي جديد.
بايدن في أعلى الشجرة ونزوله منها ليس بالأمر السهل إطلاقاً وسبب صعوده كان الانسياق وراء شعارات تيار اليسار الليبرالي الذي قد يدفع بالمواطن الأميركي ونظيره الغربي إلى خسارة ما تم إنجازه سياسيا واقتصادياً من نهاية الحرب العالمية الثانية، فالمأزق الأميركي يحتاج إلى مراجعة ذاتية لسياسات الولايات المتحدة وإعادة ضبطها بما بكفل الدور الأميركي الحيوي في العالم