في عمق جبال ردفان الشامخة، حيث تصافح السماء جبين الأرض، انطلقت ثورة 14 أكتوبر، وهي صرخة تحرر انبعثت من قلوب الأحرار وعيونهم التي ترفرف بالأمل، كانت تلك الثورة جسراً يربط بين الماضي والحاضر، بين معاناة الشعب الجنوبي وطموحاته العظيمة نحو الحرية والكرامة، إنها ثورة لم تُعطَ حقها من التوثيق والكتابة، حيث لم يُحظَ روادها الحقيقيون بالتقدير المناسب، ولم تُروَ حكايات الشجاعة والإقدام التي سطروها بدمائهم الزكية كما يجب، تلك الثورة واجهت اعتى امبراطورية عرفتها الارض واقتلعتها من هذه الارض المباركة بعد استعمار دام قرابة قرن وربع من الزمان.
عندما ارتفعت رايات النضال على قمم ردفان، كان الشهداء يسطرون تاريخًا جديدًا بإرادتهم الحديدية، جندت تلك الثورة قواها من كل حدب وصوب، لتجعل من جبال ردفان رمزًا للصمود والتحدي، وشاهدًا على بسالة الشعب الذي يرفض الاستسلام. ولكن، ورغم كل هذه البطولات، لم تُروَ القصص بشكل يليق بمكانتها، ولم تكتب الكلمات التي تخلد تلك اللحظات التاريخية التي شكلت ملامح الهوية الجنوبية الحقيقية.
لقد أتى حفل هذا العام ليكون بمثابة منصة لإعادة إحياء تلك الذكريات العظيمة، وتأكيدًا على معاني الوحدة والترابط بين أبناء الجنوب، ومن بين الرسائل المهمة التي حملها هذا الاحتفال:
وحدة الأرض الجنوبية: تجلت في الاحتفالات وحدة الأرض الجنوبية من خلال مشاركة أبناء حضرموت والمهرة وسقطرى، في تجسيد حي لروح التضامن والالتفاف حول قضية واحدة. هذا التجمع الشعبي كان تعبيرًا عن تمسك الجنوبيين بحقوقهم في مواجهة التحديات التي تعصف بهم.
وحدة الهدف والقيادة: التأكيد على ضرورة وحدة الهدف والقيادة كان رسالة واضحة خلال الاحتفال فقد اجتمع الجميع حول رؤية موحدة تتعلق بمستقبل الجنوب، مع التأكيد على أهمية التنسيق والعمل المشترك في سبيل تحقيق الأهداف المنشودة.
رفض التقسيم: حذّر أبناء الجنوب من كل محاولات التقزيم وتقسيم الكيان الجغرافي لصالح حسابات إقليمية ودولية لا تعير مصلحة الشعب أي اهتمام وكانت هذه الرسالة بمثابة صرخة رفض قوية أمام محاولات العبث بمصير الجنوب، داعين إلى وحدة الصف وتعزيز العمل الجماعي لمواجهة تلك التحديات.
الوقوف ضد الأطماع الخارجية: الرسالة الأخرى التي انطلقت من الاحتفال كانت التأكيد على التصدي للأطماع الاقتصادية والسياسية التي تسعى لاستغلال الجنوب، فالشعب الجنوبي اليوم أكثر إدراكًا لخطورة تلك المحاولات، ويعي تمامًا أن مصيره بيد أبنائه المخلصين الذين يسعون لتحقيق أهداف ثورتهم.
في الختام، ثورة 14 أكتوبر ليست مجرد حدث تاريخي عابر، بل هي تجسيد لإرادة شعب حي ينبض بالأمل ويطمح نحو الحرية، إنها دعوة لاستعادة الذاكرة وإعادة الاعتبار لأبطالها الذين صنعوا التاريخ بأيديهم، ونداء لكل الجنوبيين لمواصلة النضال من أجل قضية شاملة تضمن لهم حقوقهم وأحلامهم.