……… بعد عقود عجاف مرت بها الساحة السياسية الجنوبية، وأقحطت فيها عقليات الطبقة المتحكمة في صناعة القرار عن غيث الحوار المبارك، وأجدبت عن أي توافقات تجمع الأطياف الجنوبية كافة، وظهرت النخب المتحكمة في منتهى الكهولة السياسية العقيمة، العاجزة عن إنتاج مناخ سياسي يتسع للجميع ويقبل بالآخر، ويستوعب المختلف، على وفق مبدأ الإيمان بالكل. بعد كل هذا، فإن الحوار الجنوبي الشامل، الذي انطلق مؤخرا في العاصمة عدن، في المدة من 4 – 8 مايو 2023م، الذي اختتم اليوم بنجاح منقطع النظير، لم يشهد مثيله التاريخ الجنوبي الحديث والمعاصر، لهو غيث البركة والرحمة التي انهمرت به العقليات السياسية الجنوبية، وسيعقبه العام الذي فيه يغاث شعب الجنوب، بعد قحط أهلك حرثهم ونسلهم. اليوم – وبهذا الحوار التاريخي – دخلت الأطياف السياسية والمجتمعية الجنوبية منعطفا جديدا، ضله السابقون بوعي أو بغير وعي، وكانوا بحاجة للاهتداء إليه من قبل، لأنه سيوفر لنا كثيرا من إجمالي الكلفة المدفوعة. لقد رأينا في هذا الحوار الجنوبي الشامل المنعقد مؤخرا، أن جميع المكونات والأطياف والشرائح المختلفة، يتحاورون ويتناقشون على طاولة واحدة، بقلوب صافية نقية، وبأفكار واعية، وبنوايا صادقة، تحت مبدأ استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة على حدود ما قبل 22 مايو 1990م، ويخرجون بتوافقات سياسية بالإجماع. وهذا يعد إنجازا كبيرا، لم نر مثله من قبل. إن توافق الجنوبيين في حواراهم التاريخي المشهود، لهو انتزاع مرحلة تاريخية وسياسية غالية الثمن، ظلت مؤجلة ومستعصية على النخب السياسية المهيمنة على الساحة، طوال التاريخ الحديث والمعاصر، حتى استطاعت قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي ممثلة بالرئيس عيدروس بن قاسم الزبيدي، من تدشين تلك المرحلة المؤجلة، وملامسة الحلقة السياسية المفقودة(الحوار الشامل)، وهو الوسيلة الوحيدة الناجعة المتعارف عليها لفك شفرات الإخفاق السياسي سابقا، بل إن الحوار لخير الشعوب، لهو ممارسة شعائر مقدسة يباركها الرب، لزراعة الأرض عدلا، والشعوب استقرارا وازدهارا. وقد رأينا فخامة الرئيس الزبيدي يشدد على مبدأ الحوار في جميع خطاباته، ويتخذ منه هدفا ووسيلة وأسلوبا، ويجسده قولا وعملا وسلوكا، حتى أثمر يانعا على أفانين الاتفاق السياسي الجنوبي المبارك. وبهذا، يكون المجلس الانتقالي الجنوبي قد كسب الرهان – وما زال يراهن أكثر – على وحدة الصف الجنوبي، ويكون الرئيس الزبيدي هو فارس هذا الميدان، وبدون منافس. ختاما، نقول لشعب الجنوب الصابر، لقد قرب الفرج، وثقوا – بعد الله – بقيادة سياسية محترمة ومحترفة، قادرة على الوفاء لتطلعاتكم المشروعة. …..