إن هناك عدداً من الأجهزة بتعدد مسمياتها وتنوع اختصاصاتها ومهامها وتَوَزُّعْ تبعيتها ربما يكون عنصر التنسيق والتكامل ضعيف إن لم يكن قد غاب وربما يكون عنصر المؤهل والكفاءة والخبرة والتجربة لمن عاصروا أهم مراحل العمل المهني ضعيف هو الآخر إن لم يكن قد غاب على أن ذلك لا ينفي حقيقة وجود عناصر مهنية كفؤه ينفذون واجباتهم ومهامهم بكل إقتدار لهم نرفع القبعات، إن هناك وكما هو معلوم نوعان من الجرائم: الجريمة الجنائية وهي التي تحدث عادةً لأسباب إجتماعية، مصالح، ثأر، قضايا أراضٍ، الجريمة السياسية وهي المُنَظًّمة والمخطط لها والممولة والمحدد أهدافها سلفاً، إن ظاهرة الجريمة بصورة عامة بما فيها تلك التي تجمع بين الجريمة الجنائية في أسبابها والسياسية في تنفيذها إن وجدت فإن كل ذلك يهدد حياة الفرد وأمن المجتمع حيث صار الناس خائفين على أرواحهم ودمائهم وأعراضهم وأموالهم وحرياتهم ومع ذلك يكون من الجحود نكران دور الأجهزة ذات الإختصاص أو التقليل من شأن ما تقوم به في تنفيذ واجباتها ومن المفيد تقويم وتفعيل الأداء المهني والإرتقاء به نحو الحفاظ على حياة ومصالح الناس وضمان سيادة الأمن والإستقرار والسكينة العامة وكشف الجريمة قبل وقوعها، في الأسبوع قبل الماضي كتبت مقال بعنوان « أصول مهنية في كشف الجريمة وضبط الفاعلين » يبدو أن جزء من الأسباب لما سلف إستعراضه يعود لضعف التعاطي في الأداء مع تلك الأصول والقواعد المهنية لذا ولترابطها ولمزيد من التمعن والتأمل أوردناها في هذا المقال: أولاً: الإنطلاق في المتابعة والتحري من الأشخاص نحو معرفة -الفعل- الجريمة مثلاً: هناك عدد من الأشخاص يتجمعوا في ذات مكان وطالما لم يعرف سبب تجمعهم فضلاً عن تكراره فإنه يتحول بالضرورة إلى شبهة وهنا تتم إجراءات التتبع والتحري عن الأشخاص من كل جانب وصولاً إلى الجريمة في حال محاولة الإقدام على ارتكابها وضبط الفاعلين متلبسين -كشف الجريمة قبل وقوعها- في حالات وفي حالات أخرى بعد وقوعها وفي سياقه معرفة درجة مساهمة الفاعلين في الجريمة: فاعل رئيسي – ثانوي – متمالئ – متستر….إلخ كل بحسب درجة مساهمته. ثانياً: الإنطلاق من -الفعل- الجريمة نحو معرفة الأشخاص وفقاً لإجراءات المتابعة والتحري والضبط والمساءلة مذكورة أعلاه. ثالثاً: الإنطلاق في التتبع والتحري والضبط والمساءلة من الجريمة والأشخاص الفاعلين في وقت واحد إذ أن اكتشاف الجريمة دون معرفة الفاعلين وضبطهم أو معرفة وقوع الجريمة دون الوصول إلى نتائجها يضل ناقصاً ولا يحقق الغرض بل ربما يترك ثغرة لمثيري اللغط وللمتربصين الذين طالما يحاولوا توجيه الأمور في سياق غير سياقها. رابعاً: أن لكل جريمة سبب ففي حالة الجرائم الجنائية فإن الأسباب في الغالب تكون اجتماعية – تضارب مصالح – قضايا أراضي – ثأرات…إلخ أمّا في حال الجرائم السياسية بأنواعها فإنها تدخل في إطار الجريمة المنظمة التي يتم التخطيط لها وتمويلها وتوجيهها بالوسائل والأساليب المعلومة لذوي التخصص وبالتالي فإن الفاعلين “منفّذين” مما يستوجب ذلك -وهنا بيت القصيد- ليس كشف الجريمة قبل أو بعد وقوعها ومعرفة وضبط الفاعلين على أهميته وحسب ولكن معرفة القوى التي تقف وراء ذلك أفراداً كانوا أو جهات أيضاً ومعرفة اتجاه وتوجُّه المخطط المعادي التي تأتي تلك الجريمة/الجرائم في إطاره والذي يستهدف النيل من سيادة الوطن وأمنه واستقراره وحياة ومصالح الناس العامّة والخاصّة وحقهم في ممارسة حياتهم الطبيعية اليومية بأمن وأمان والتعامل معه بما يلزم….