دعوة ليست وليدة اليوم، لقد كانت ديدنة القبائل منذ القدم؛ لكن لم تتككل بالنجاح في معظمها، مما زاد من وتيرة الشروع بالقتل على اتفه الأسباب، ويعود لذلك إلى أسباب عدة منها غياب الدولة ، وتعطيل القانون ، الحلول بالتسوية الودية في أغلب القضايا، فهذه النقاط برمتها جعلت من القتل شيء اعتيادي وأوصلت الأمور إلى ما نحن عليه الآن . فمن أمن العقوبة تمادى بالذنب واسرف بالقتل، كل شيء أصبح مفتوح على مصراعيه ، متى ما أراد أن يَقتُل قَتَل بدمٍ بارد ، لا شيء يمنعه أو يردعه ، قوانين الغاب تسري بيننا نحن البشر ، ومن لديه القوة أخذ بثأره تحت عبارة (الطارف غريم) فتتقام الأمور وتسوء الأحوال وتزداد سوءً فوق فظاعتها وبشاعتها وشناعتها.. تُهَجر أسرُ ، وتُرمل نساء ، وتُيتم أطفال، في كل بيت نائحة وعويل ، وكل بيت لا يخلو من مصاب أو قتيل … شعورٌ مملوء بالأسى والحزن وانت تشاهد أماً مكلومة تقتلها العبرات الف قتلة ، وأباً هو الأخر يمزقه الأسى ، يُخيم على الأسرة ليل طويل لا فجر بعده …فقد جفت أراضيهم من كل شيء إلا الشر ولا تسيل عليها إلا الدماء.. فمن مساوئ ونتن هذه الظاهرة -التي تُفجع بها كل أسرة إذا حلت بهم – خرجت رجال في مجابهة هذه الظاهرة ووأدها وطي صفحتها إلى ما لا نهاية إلى الأبد، تنشد الحياة الكريمة وإحلال السلام دون منغصات تسيل من خلالها دماء أو تزهق أرواح ، سائرون على خطى من سبقهم في عزيمة وإصرار ألا عودة ولا تراجع في إنهاء قضية الثأر والمضي قدماً في حلحلتها وانهاء الأسباب التي من شأنها إن تقوض السلم الاجتماعي ، لتعد ظاهرة الثأر ضرباً من الماضي لا صلة لا بالمستقبل … فقد أثلجت صدورنا وأسرت قلوبنا ، هذه الحملة الأخيرة التي يقودها الفريق محمود الصبيحي والشيخ حمدي وجمهرة من مشايخ وقيادات أبناء الصبيحة لا يتسع المقام لذكرهم أصحاب القلوب الحية الذين آلمهم الحال الذي وصلنا إليه ( ماذا أخبرك عنه يكفي إنه فظيع جداً) . جاءت الحملة كغمامة تحمل البشائر ، لتسقي قلوباً عطشت أمناً وأماناً وسلاماً ، لتعيد الحياة إليهم وبهجتها كما سُبلت من الكثير وماتت في قلوب الكثير … كانت حياة تأخذ في كثير من جوانبها طابع دموي مقيت بين كثير من القبائل والأسر ، ما أن تهدأ حتى تشتعل من جديد وكأنّ من يقدحها يستمتع بذلك. نرجو من الله أن يبارك لهم فيما قاموا به ، وإن يكن لهم عوناً ونصيراً فيما سعوا من أجل…