الأحد , 24 نوفمبر 2024
الروس لم يتجاوزا صدمة الهجوم
روسيا تجد نفسها في مواجهة مفتوحة مع الجهاديين في آسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا، وهذا ما قد يفسر الهجوم الذي تبناه تنظيم داعش على قاعة للحفلات الموسيقية في موسكو. لكن المفارقة أن روسيا التي تقاتل الجهاديين ويهاجمونها تقيم علاقات متطورة مع العالم الإسلامي.
باريس- يسعى تنظيم الدولة الإسلامية الذي أعلن مسؤوليته عن اعتداء حصد 144 قتيلا قرب موسكو، إلى جعل روسيا تدفع ثمن دورها في أفغانستان وسوريا وأفريقيا فضلا عن روابطها مع إيران فيما الاستخبارات الروسية تصب تركيزها على أوكرانيا.
فقد اتهم المحققون الروس مجددا الخميس منفّذي الهجوم الذي أسفر عن سقوط 144 قتيلا بأنهم مرتبطون بـ”قوميين أوكرانيين”.
إلا أن صحيفة “النبأ” الأسبوعية التي يصدرها تنظيم الدولة الإسلامية أوردت في عددها الصادر الجمعة أن الغارقين في “نظرية المؤامرة” عليهم أن “يدخروا المزيد من نظرياتهم الانهزامية لقادم الأيام” على ما تفيد لورانس بايدنر إحدى مؤسسات منصة “جوس بروجيكت” لتحليل الدعاية المتطرفة عبر الإنترنت.
◙ الشرق الأوسط والعالم الإسلامي ودول الجنوب تشيد عموما بمواقف بوتين ضد الهيمنة الغربية، لكن التنظيمات الإسلامية المتشددة لها موقف آخر
وتضيف الخبيرة في تصريح لوكالة فرانس برس أن مؤيدي التنظيم يقومون بموازاة ذلك “بالاحتجاج غالبا بغضب وأحيانا بسخرية على التشكيك في مسؤولية التنظيم”.
وأشارت أجهزة الأمن الروسية من جهة أخرى إلى توقيف ثلاثة من “رعايا دولة في آسيا الوسطى” كانوا يخططون لعملية تفجير في جنوب غرب روسيا.
وتفصل روسيا في مواقفها بين المسلمين والإسلاميين. وفي الوقت الذي أحبطت فيه موسكو مشروع قانون أميركي في مجلس الأمن يهدف للضغط على الفلسطينيين تتلقى ضربة موجعة من الإسلاميين، وهو أمر يثبت أن الجماعات الإسلامية تقودها أجندات لا علاقة لها بمصالح العالم الإسلامي وهي لا تميز بين الصديق والعدو، وتبحث عن الاستعراض بقطع النظر عن النتائج.
ومن شأن الهجوم، الذي لا يوجد أيّ مبرر سياسي أو أمني له في ظل توقف الصراع بين روسيا والتنظيمات المسلحة في مختلف الجبهات، أن يوسع الشُقَّةَ بين روسيا والعالم الإسلامي خاصة أن روسيا لا تدّخر جهدا في إظهار انحيازها لقضايا إسلامية، وخاصة في الموضوع الفلسطيني.
ويشيد الشرق الأوسط والعالم الإسلامي ودول الجنوب عموما بمواقف بوتين ضد الهيمنة الغربية، لكن التنظيمات الإسلامية المتشددة لها موقف آخر.
ويشدد جيروم دريفون الخبير في الجهاد في منظمة حل الأزمات “كرايسيس غروب” أن ضرب تنظيم الدولة الإسلامية لروسيا غير مفاجئ فهذا البلد “يشكل هدفا بديهيا لأسباب تاريخية وأخرى حديثة”.
ويوضح “اجتياح الاتحاد السوفياتي لأفغانستان في العام 1979 والاحتلال الذي تلاه واستمر عشر سنوات لا يزالان يثيران غضب الكثير من الجهاديين”.
وانخرطت موسكو بعد ذلك إلى جانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب السورية في مواجهة جماعات جهادية. وفي أفريقيا، يتعاون المرتزقة الروس مع العسكريين الحاكمين في مالي ضد تنظيمَي القاعدة والدولة الإسلامية.
وفي السنوات الأخيرة، تقاربت موسكو كثيرا مع إيران الشيعية وهي طائفة يكن لها تنظيم الدول الإسلامية عداء كبيرا.
ويرى كولن كلارك مدير الأبحاث في مركز صوفان في نيويورك “ينظر تنظيم الدولة الإسلامية إلى روسيا على أنها طليعة العالم الشيعي” موضحا أنه في “قائمة أكثر الأشخاص الذين يكرهونهم يتقدم الشيعة على الأميركيين وإسرائيل والأنظمة التي تسمى كافرة”.
وكان التنظيم أعلن مسؤوليته في يناير عن هجوم كرمان في إيران الذي سقط فيه 89 قتيلا.
يضاف إلى ذلك علاقة خصومة عميقة مع الأقليات المسلمة في روسيا. فقد خلفت حربا الشيشان عامي 1994 و2000 والتدخل الروسي ضد تمرد إسلامي في داغستان في القوقاز الشمالي، تداعيات على هذه العلاقة.
علاوة على ذلك، يشدد فريديريك كاغان الباحث في “أميركين إنتربرايز إنستيتوت” على “نهج انفصامي” تتبعه موسكو. فيعد الكرملين بخطاب توافقي في بلد يضم نحو 20 مليون مسلم لكنه يسمح في الوقت ذاته بتمييز كبير في حق الملايين من المهاجرين الذين يأتون من دول آسيا الوسطى والقوقاز.
وجنّد الجيش الروسي عناصر في صفوف المهاجرين والفقراء في روسيا للمشاركة في الحرب بأوكرانيا عارضا أجرا مرتفعا. وفي صفوفه أيضا وحدات من جمهوريات مسلمة في روسيا.
◙ الأجهزة الأمنية الروسية التي تصب اهتمامها على أوكرانيا، تشكل هدفا ضعيفا اليوم رغم تصريحات الكرملين بعكس ذلك
إلا أن فريدريك كاغان يرى أن انعطاف فلاديمير بوتين إلى “أيديولوجية قومية متشددة مزعومة مسيحية أرثوذكسية مع طابع روسي طاغ، عزز حركة مناهضة للمهاجرين”.
ويشير المحلل الأوزبكي تيمور عمروف إلى توترات إثنية – دينية متنامية منذ غزو أوكرانيا في فبراير 2022.
وكشف في مقال لحساب معهد كارنيغي إندوومنت فور إنترناشونال بيس أن “كره الأجانب أصبح المعيار في صفوف ‘القوميين’ والمدونين العسكريين المدعومين من أجهزة أمنية روسية مناهضة للمهاجرين كثيرا” وتشريعات تزداد تشددا.
لم ينسب تنظيم الدولة الإسلامية رسميا إلى فرعه في أفغانستان المشتبه فيه الأول في هجوم موسكو خصوصا أنه يجند الكثير من عناصره من القوقاز وآسيا الوسطى. لكن من المؤكد أن المنفذين من طاجيكستان، وهو ما سيكون له تأثير كبير على المهاجرين الطاجيك في روسيا الذين بدأوا بالمغادرة خوفا من موجة الكراهية.
وقالت وزارة العمل والهجرة والتوظيف في طاجيكستان إن هناك ارتفاعا في عدد العمال المهاجرين الذين يغادرون روسيا إلى طاجيكستان.
ونقلت وكالة تاس الروسية للأنباء عن شاخنوزا نوديري نائبة وزير العمل والهجرة والتوظيف قولها “نتلقى الكثير من المكالمات. وعلى الأغلب لا تكون هذه المكالمات شكاوى من مضايقات لكنها تعبر عن خوف مواطنينا وحالة من الذعر ويرغب الكثيرون منهم في المغادرة”.
وتابعت “إننا نراقب الوضع حاليا، عدد القادمين (إلى طاجيكستان) يزيد على عدد المغادرين”.
وذكر مصدر أمني من طاجيكستان لرويترز أن بلاده اعتقلت تسعة أشخاص الأسبوع الماضي للاشتباه في أن لهم صلات بالهجوم وكذلك بالجماعة التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم.
وتتوقع وزارة العمل الطاجيكية أن يكون تدفق المهاجرين من روسيا مؤقتا.
ووفقا للموقع الإلكتروني للوزارة، غادر 652014 مهاجرا من العمال البلاد في عام 2023 مقارنة مع 775578 في عام 2022.
وتعتمد الدولة، ذات الأغلبية المسلمة التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة والتي تحدها أفغانستان، بشكل كبير على تحويلات العمال المغتربين الذين يعملون في روسيا. وتعرض اقتصادها لأضرار جسيمة جراء الحرب الأهلية في التسعينات.
ويتفق المحللون على أن التهديد يبقى مرتفعا في روسيا نظرا إلى العدد الكبير من الأفراد الذين يمكنهم أن ينفذوا هجمات.
ويحاول تنظيم الدولة الإسلامية منذ فترة طويلة تجنيد العناصر الشابة على ما يفيد أندريي سيرينكو الخبير الروسي في الشؤون الأفغانية.
كره الأجانب أصبح المعيار في صفوف القوميين والمدونين المدعومين من أجهزة أمنية روسية مناهضة للمهاجرين كثيرا
ويوضح أنه قبل جائحة كوفيد – 19 “كان المشرفون على التجنيد في تنظيم الدولة الإسلامية يحاولون استمالة تلاميذ المراحل التكميلية والثانوية الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و16 عاما في كازاخستان”.
ويتحدث عن “هالة رومنسية تحيط بالروايات الجهادية” وعروض لتلقي تدريبات عن بعد قبل الانتقال إلى روسيا وتنفيذ هجمات، إلا أن هذا المشروع فشل.
وتشكل الأجهزة الأمنية الروسية التي تصب اهتمامها على أوكرانيا، هدفا ضعيفا اليوم رغم تصريحات الكرملين بعكس ذلك، على ما يفيد مراقبون عدة يتوقعون حصول اعتداءات أخرى.
وهنا أيضا تشكل الأوساط الجهادية عبر الإنترنت مؤشرا كبيرا على الخطر القائم. وتشير لورنس بايندنر إلى ردود فعل قوية في هذه الأوساط على صور منشورة للمشتبه في تنفيذهم هجوم موسكو تظهر تعرضهم للضرب.
وترى “بنظرهم، نشر صور التعذيب هذه تضفي طابعا شرعيا لاحقا على هجوم كروكوس هول وتشكل مأخذا إضافيا لحشد الصفوف لشن هجمات جديدة”
نوفمبر 11, 2024
نوفمبر 8, 2024
نوفمبر 8, 2024
نوفمبر 8, 2024