الجمعة , 22 نوفمبر 2024
منصور الصبيحي
حين تراخى الغرب أو بالأحرى تعمًد تقيّد مشروعه الهادف على حد زعمه لإحداث تغير يشمل قواعد الحكم المتسلّط والمتجبّير وبأشكاله المختلفة في العالم، بما يلبي طموح المجتمعات المتأخرة للتقارب معه إلى مستويات مقبولة من العيش بحرية وكرامة، كانت النتيجة: أن النظم الرايدكالية الشمولية والمتطرّفة سياسيًا باتت اليوم تتحرك في الاتجاه المعكس، مهددة بنسف مكاسب كثيرة تحققت للإنسانية من وراء الديمقراطية المفعمة بالنشاط وبالحيويّة.
وحين كانت مفاهيم حقوق الإنسان مجرد بروباجندا سخرتها دول لسحر شعوب مغلوبة على أمرها أرغمها واقعها على المثول أمامها والتنازل عن أهدافها المعلنة ودونما تسأل عن مستقبلها وما زالت إلى اللحظة الراهنة مكبلة من قبلها بالسلاسل وبالقيود، كانت النتيجة: أن البراجماتية لتلك الشعوب تحتّم عليها بأن تلتفت للشرق المعقد المتزمّت أقرب وأسلم لها من الغرب المنفتح صاحب المبادئ والقيم السامية والذي هو أصلًا لا يُلقي لها بالاً.
ًيجمع أغلب القادة والمفكرين بأن العالم يمر اليوم بمرحلة حرجة لم يشهدها تقريباً على مر تاريخه المعاصر وذلك بالتحديد منذو أربعينيات القرن الماضي، فالصراع أضحى يجري على مختلف المستويات والأصعدة، ويوماً عن يوم يأخذ أبعاداً من التعقيد والتنافر ضارباً بالأعراف وبالضوابط القانونية والأخلاقية التي اعتادت الأسرة الدولية مقاربتها والتكيًّف معها وإلى زمناً قريب عرض الحائط.
فالصين صاحبة الإستراتيجية التنافسية باتت اليوم تتحرك في اتجاهات مختلفة مستثمرة في فلتان النظام العالمي بقوة، ومن خلال ما تبتدعه من إجراءات مصاحبة تدفع بقوىً تعاني اوضاع صعبة وتهوى الخروج من بوتقتها للتعاون والتآزر في ما بينها بغرض التحلل من هيمنة طرف أمعن طويلاً في تهميشها كحضارات كان بالإمكان لو أتيحت لها الفرصة أن تصبح رائدة ومشارك فاعل نشط يعمل على حلحلة أمور كثيرة تعاني منها الإنسانية.
فمسألة الثبات الذي حظيت به الرأسمالية الغربية مستفردة بالمشهد بالكامل في ظل غياب الأخريات، ومستثمرة مع بلدان بعينها شراكات إقتصادية وسياسية غالباً ما تنتهي معها بتوقيع معاهدات حماية وإنشاء قواعد عسكرية على أراضيها، كميزة تمكنها من التموضع لأكبر قدر ممكن تحمي مصالحها ومتجنبة في نفس الوقت تحمّل وزر التبعات القانونية والأخلاقية المترتبة على الوصاية المباشرة، أصبحت اليوم في محل شك وإزدراء ومهددة نسبة إلى التحديات القائمة التي باتت تفرض نفسها على الأرض بين الزوال والتراجع.
فالوضع لا يبدو اليوم لها على ما يرام فثمة منافسين شموليين جديد يخوضوا معترك الصدرة بقوة، وبما يمتلكوه من مقومات مادية وبشرية تسمح لهم لأن يكون ندًا يتحرّك بالموازة معها على كل اتجاه وجانب، محفّزين شعوباً عديدة سامها من المعاناة والعذاب الكثير للتخندق معهم إستناداً للتقارب في طريقة الحكم والأهداف المشتركة، وهم عند كل عملية يقومون بها تهدف لتأطير منظومة بلد معين واستمالتها لصالحهم لا يحتاجون لبذل جهد كبير، كل ما يحتاجونه فقط؛ إزاحة أعلى هرم السلطة ودون المساس أو التعرّض لمحتوى الأركان والقواعد السفلى.
وعلى هذا الأساس لتكن المواجهة المباشرة والشاملة والتي بإمكانها أن تعيد تشكيل العالم وفق صيغة محددة ترعى شؤونه وتحفظ أمنه واستقراره كالتي تمخّضت عن الحرب العالمية الثانية محال حدوثها بالمطلق، وذلك على ضوء إنتشار سلاح الدمار الشامل، لكنها بالتأكيد هي الآن على حسب نَهِم الطرف المهاجم والباحث عن مكانة مرموقة تحتاج لأن تجري عملياً وبطرق ملتوية تنسجم مع إفرازات العصر والتقدم التكنلوجي.
وهذا مؤشر خطير بأنه وإذا ما تراجع مدخول الطرف المدافع والمسيّطر حاليا على المشهد إلى حدود لا يمكنه التكيّف مع واقعه من احتمالية كبيرة لأن يلجا مضطراً لأساليب أكثر خباثة قد تؤدي في النهاية لإسقاط القيم والمبادئ المتعارف عليها في معاهدة الأمم المتحدة بالكامل، بما يعنيه العودة بالعالم لشريعة الغاب وفتح الباب على مصراعيه لصراعات يصعب التنبؤ بعواقبها وكيفية استمراريتها؟.
تحليل بهذا الشكل قد يبدو مبالغ فيه او ربما أقرب للخيال أن يعود العالم إلى زمن الفوضى من جديد، فما كان متاح بالأمس ممنوعا هو اليوم، فثمة متغيرات وأمور طرأت جعلت من مسألة إنتاج الماضي أمراً محال وفي غاية من الصعوبة حدوثه.
وبالنظر إلى الطريقة التي يدير بها الغرب العالم بقيادة أمريكا فهي تنطلق من المفاهيم النظرية على الورق وبعيد بنسبة كبيرة عن التطبيق وبهذا الشكل من الموائمة الطويلة والمماطلة إذ أخذت أبعادا من التعقيد يصعب فكّها، فلا أنها تراجعت وتركت المجال لإدلوجيات بديلة تتصرف وتختبر قدراتها، ولا أنها سادت فتصبح كمسلمات ثابتة عند الجميع، ومازالت تعاني لم تبلغ منتهاها، وما يزيد الطين بلّة صعود أحزاب أقصى اليمين المتطرف لديها إلى الواجهة محشوة بالنزعات والاستعلاء وتعمل من خلال ما تطرحه من برامج وما تتبناه من خطابات على خلق جوٍ من التوتر مخالف لطبيعة نهج بلدانها المنفتح.
هذا ياخذنا لتفكير العميق بأن التحديات القائمة التي تواجه العالم ليست بالهيّنة والسهلة وممكن لمنظومة إدارته أن تنهار في أي لحظة إذا تعمقت الخلافات أكثر من هذا الحد، وما من شك بأن ما نلمسه من أزمات وحروب متقطّعة تجري هنا وهناك، وأزمات حول موارد المياة والمناخ، وما إليها من ظاهرة الهجرات الغير المنظمة والحروب السيبرانية، هي مقدمات لذلك الانهيار، وبهذا الشكل تصبح الامبراطوريات المتحكمة أمام أختباراً صعب أما أن تعيد النظر طريقة تسيدها وتقلع عن ممارساتها العقيمة وتتيح لعجلة التغيّر تتقدم إلى الأمام، وأما عليها أن تستعد لدفع الضريبة وتقبل بأكثر من قطب بأكثر من تيار متنافس يجعل من ريادتها معرضة للخطر وما دونه لاشيء.
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 19, 2024
نوفمبر 17, 2024
نوفمبر 11, 2024