على خلفية التحدّيات التي تواجهها الأمة العربية وسط ما تشنه إسرائيل من حرب مستعرة على غزة، يبرز الصراع اليمني بتسليم المسودة النهائية لطرفي الصراع اليمني الرئسين “الشرعية والحوثيين” متماثلًا للحل، فلم يتبقّى فقط من بعد إعلان توقيف الحرب سوى تحديد المكان الملائم لإتمام التوقيع عليها، من هنا يصبح موقف المجلس الانتقالي يحتمل نوعًا من التأويل والغموض وذلك برفضه شكلًا ومضمونًا كل ما يتعارض ولا يظمن تحقيق تطلعات الجنوبين في إستعادة دولتهم، ومازال قائده نائبا لرئيس المجلس الرئاسي ومشارك في الحكومة اليمنية بعدد من الوزراء.
يوم من أيام 2015 والقوات الغازية على تخوم عدن مررت من المسافة صفر عن جسر عقان المستهدف بغارة جوّية من قبل طيران التحالف وآليات من فئة d 9 وd 8 تقوم بإعادة شق طريق قديم كبديل عن الجسر نفسه، وبغرض تسهيل عبور المركبات العسكرية نحو هدفها عدن، ويحدث في الأثناء الذي طيران التحالف ذاته يكاد لا يفارق الأجواء ولا يتوقف عن التحليق والرمي على مواقع متفرّقة هنا وهناك، وهذا بحد ذاته كان بمثابة النقطة التي مزّقت كل ما تبقّى لدي من أمل واصبحت من حينها متيقنًا من إستحالة نصر مكتمل للجنوبين يقوّض قواعد اللعبة في الشمال، وبأننا صرنا قاب قوسين أو أدنى من وجبة سياسية دسمه سُتخالف في نهاية المطاف كل التوقعات والحسابات وستُتخم الشمال والجنوب على حدٍ سوأ.
تهديم البنية التحتيّة للمناطق الجنوبية طوال هذه السنوات وتخريب المنشآت الحيوية وشل حركة النشاط الاقتصادي والتجاري وترك المال العام الجنوبي لأيادي العابثين، كل هذا لم يأتي بمحض صدفة وإنما هو عمل مخطط ومدروس، ينّدرج ضمن إجندات سرية يهدف من وراءه استنهاض همم المواطن الجنوبي وتوجيهها في اتجاهات معاكسة للأهداف وللتطلعات التي قامت من أجلها ثورة الحراك السلمي ٢٠٠٧.
فتقدير الموقف من قبل كثير من قادته عن تدخل دول التحالف في الشأن اليمني من الوهلة الأولى كان مشحون بالعاطفة ويفتقر لكثير من الموضوعية، واغلب الظن أنه تأثر بالحكاية المشهورة المنقولة عن مؤسس المملكة عبد العزيز بن سعود والموصي بها أبناءه محذّرهم عن وحدة اليمن، ولم يستوعب من حينه المرحلة التي طرأت من بعد ٢٠١١ وبإندلاع ثورات الربيع العربي السلمية وتجريفها لعدد من الأنظمة والسلطات الحاكمة، بما حتّم على سلطتي دولة السعودية ومن بعدها الإمارات ولكي تحمي نفسيهما من تمدد تلك الثورات إليها أن تعمل جاهدة على كبحها بقوة في أماكن حواضنها، بما أدى إلى نشر الفوضى والأزمات طويلة الأمد داخلها.
والحوثيون واحدة من الأساليب التي مازالت تربك المشهد السياسي العربي إلى اليوم، وليس على مستوى الشمال اليمني فحسب؛ وإنما أيضا على الجنوب وبإنقضاء عقد من الزمان تقريبًا يبدو أن الموقف أصبح واضح من القضية الجنوبية فعدم التطرّق لها بأي شكل من الأشكال في المسودّة النهائية لخارطة الطريق، لهي دليلًا قاطعًا على عدم التعاطي معها إلا ضمن إطار محدد لا يخرج سياق الأهدف ذاتها التي اندلعت بموجبها الحرب، وإذا لم يبرز تطورات دولية تدفع نحو إسناد الانتقالي ورفده بمقومات الصمود سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، اعتقد من بعد ترتيب البيت اليمني وشرعنة الحوثيين كفصيل سياسي يحتفظ بقوة السلاح، فالمهمة ستكون صعبه عليه فسيواجه ويجابه من قبل الأطراف المتصالحة مجتمعين .