الجمعة , 22 نوفمبر 2024
كتبه د/عبدالمجيب حسين مثنى
عقب البيان الصادر عن الاجتماع المشترك الذي ضم وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي مع وزير الخارجية الأمريكي، والذي عقد يوم الأربعاء الماضي الموافق ٧ يونيو ٢٠٢٣م، وأكدوا فيه دعمهم لسيادة اليمن واستقلاله ووحدته وسلامة أراضيه، سمعنا بعد ذلك البيان تهليلا وتكبيرا ومباركات اشتعلت بها مواقع التواصل الاجتماعي، ونشرتها الصحف والقنوات الفضائية والمواقع الإخبارية والنشاطون الإعلاميون والسياسيون، ظهروا فيها وكأنهم ووحدتهم بخير، بينما هم في الحقيقة ليسوا على ما يرام، ما دامهم يحتفون بنصر وهمي زائف، وجدوه على هيئة حبر على ورق، وسيرمى في سلة المهملات، لأن العبرة تكمن فيمن يحتفي بنصره الحقيقي على أرض الواقع، ولأن الحقيقة ليست دائما في كل ما يقال، بل تكمن دائما في كل ما يحدث.
هؤلاء المجتمعون الذين أصدروا البيان، كانوا قد اجتمعوا قبل ثلاثين سنة، وأصدروا بيانا – في أثناء الحرب الظالمة التي شنها نظام الجمهورية العربية اليمنية ضد الجنوب والجنوبيين في العام ١٩٩٤م – دعوا فيه إلى وقف الحرب وعدم فرض الوحدة بالقوة، وبمثله نادت قرارات أخرى، أهمها قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ولأن ذلك النظام الهمجي نجح في حسم المعركة عسكريا، فقد جمدت تلك البيانات والقرارات، ورمي بها عرض الحائط، وكأنها لم تصدر، فاعترفوا بسلطة الأمر الواقع، متناسين ما دعوا له في تلك البيانات والقرارات.
اليوم وبعد أن نزلت عدالة السماء في أرض الجنوب، ومكنت الجنوبيين من السيطرة على أرضهم، وصاروا أسيادها، وأصبحت كلمتهم هي العليا – بعد كلمة الله- وكلمة عدوهم هي السفلى، فلا شك أن هذا البيان الأخير – وما سبقه أو سيلحقه من بيانات على شاكلته – الذي هللوا له بانتصار وحدتهم، سيسير على درب البيانات والقرارات نفسها التي صدرت في العام ١٩٩٤م، وسيتعامل العالم مع سلطة الأمر الواقع، كما تعامل معها في العام ١٩٩٤م، بالرغم من الفرق الكبير بين جور تلك السلطة الغازية آنذاك، وبين سلطة الجنوبيين وعدالتها المشروعة اليوم، ثم بين عدالة تلك القرارات آنذاك، وبطلان بيانات الحفاظ على الوحدة، التي تصاغ بألفاظ شاحبة في معانيها، منهكة في مضامينها وفحواها.
العجيب في الأمر، أن تلك الأصوات المحتفية بالبيان، هي نفسها تلك التي سخّرت جميع نشاطاتها طوال المدة الماضية لمهاجمة الأشقاء في التحالف، لا سيما الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، ومضت تكيل لهما الاتهامات، وتصب عليهما جام سخطها وشتمها وتهديدها ووعيدها، معللة ذلك الطفح الإعلامي غير المسؤول في أنهما يدعمان الجنوبيين صراحة لفك ارتباطهم مع العربية اليمنية، ومن ثم صنفوا هاتين الدولتين بألد أعدائهم على الإطلاق.
والغريب في الأمر أيضا، هو أن البيان صادر من دول على رأسها السعودية والإمارات، وهما دولتان تسعيان لتقسيم البلاد بحسب تلك الأصوات، وكأن استعادة الدولة الجنوبية ليست هدفا ولا مطلبا شعبيا جنوبيا جارفا، بل مطلبا سعوديا – إماراتيا، إذن فما حاجة الاحتفاء ببيان يحافظ على الوحدة في ورق، إن كانت عملية فك الارتباط تجري على الواقع بإشراف سعودي – إماراتي، كما يدعون؟!
وفي الحقيقة، أن دول التحالف خاصة الإمارات والسعودية قد دعمت الجنوبيين لتحرير أرضهم، ودعمت الشماليين بأضعاف ذلك، لكنهم لم يكونوا عند مستوى المصداقية والإرادة التي اتصف بها الجنوبيون، فخاضوا ضد الحوثي حربا وهمية كاذبة وجبانة، سلموا له بموجبها تلك الأسلحة هبات مجانية بوصفها مكافآت، مقابل التنكيل بدول التحالف وبالجنوبيين، ومضوا يوجهون طعنات غدرهم إلى ظهر التحالف العربي منذ إعلان عاصفة الحزم وحتى اليوم، وإذا كانت هذه هي حالهم مع الأشقاء الحلفاء، فالصمت هنا أبلغ تعبيرا عن وحدة ينتظرون حمايتها من دول التحالف العربي.
وعلى الرغم من أن المشروع الوطني الجنوبي بات واقعا ملموسا يعرفه القاصي والداني، فإن مدعيي الوحدة مستمرون في الكذب على أنفسهم وعلى من يستطيعون خداعه بوهم الوحدة المزعومة، ومع ذلك يصدّقون كذبهم بطريقة عجيبة، وفي هذه الحال فلا بأس من أن يخفضوا من مستوى صوت نحيبهم على الوحدة الواقعية، وتعويضه بأصوات التهليل والتكبير لوحدة تجسدت على الورق فحسب، وفرضت نفسها حبيسة رفوف المكاتب ليس إلا، وسيكفي الجنوبيين استعادة أرضهم وإعلان دولتهم، ويكفيهم هم احتفاؤهم الزائف بوحدة مزيفة لفظها الواقع، فتشبثوا بها حبرًا على ورق!
…
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 19, 2024
نوفمبر 17, 2024
نوفمبر 11, 2024