بعد نضال طويل امتدت منذ عقد سبعينيات القرن العشرين الماضي وحتى يومنا هذا من سنوات مطلع القرن الواحد والعشرين، شهدت فيها ارض جنوبنا الحبيب صراعات دموية عبثية وحروب تناحرية كارثية لا مبرر لها، فقد سقط خلالها عشرات الألوف من الأرواح البريئة من أبناء جنوبنا العربي، وسالت بفعلها أنهار من الدماء الزكية، وضاعت من حياتنا تطلعات وطموحات لا حصر لها، وكل تلك التضحيات التي نستذكرها في هذه اللحظات التأملية، لا تشفع لنا دوافع أسبابها، ولا تقنع عقولنا وضمائرنا عوامل مبرراتها الذاتية والموضوعية، بقدر ما هي كانت عبارة عن سلوك من الذاتية والأنانية التي فرضت بهيلمانها المعيبة تصرفات خاصة، اتسمت بعيوب التفرد المناطقي وشطحات التخلف القبلي، ونزوات مغريات السلطة الاستبدادية والدكتاتورية المعبرة عن مغريات (الأنا) الذاتي المتعصب لغرور النوازع (انا) وما بعدي سوى الطوفان.
لقد توالت الاحداث الماساوية وتعاقبت الويلات التدميرية، وفشلت كل المحاولات التجريبية، للبحث عن مستوى من الوعي الفكري والثقافي يسترشد ويهتدي لضرورة الحوار الواسع والشامل بين أبناء شعب الجنوب العربي، لوضع ضوابط عملية وتنفيذية سليمة تجمعهم وتوحيد مواقفهم وتضم تعددهم وتنوعهم تحت اطار استراتيجي مستقبلي، ينضوي فيه كل من يؤمنون بحق وعدالة قضية شعب الجنوب العربي، وتطهيرها من شوائب وملوثات اليمننة التي استدرجت إليها وساقتها في غفلة إلى بؤرة الفساد والأطماع القبلية السبئية وجحافل (الأبناء) المتوارثة من عهود الاحتلال والغزو الفارسي قبل أكثر من 1500 عاما.
وفي هذا اليوم المشهود اهتدى العقل الجنوبي إلى معرفة حقيقة الدوافع والاسباب المعيبة، واستوعب دروس الهزام والأزمات، ووقف يفتش عن مكامن الخلل ويبحث عن الحلول الموضوعية الجادة والمناسبة، ليوقي مسيرته النضالية من نتائج ما وقع فيه طوال تلك المراحل المتعاقبة. وعندما ولد المجلس الانتقالي من بين ركامات ذلك الصراع الدموي الذي ورثه من بقايا الخلافات والتباينات المفتعلة، ومن تركة التعصبات المتخلفة، فقد اختار الخيار الأمثل وادرك الطريق الاسلم، فاتخذ قراره الصائب في دعوة كل ألمكونات السياسية والاجتماعية الجنوبية دونما استثناء او انتقاء، فاندفع المجلس الانتقالي لملامسة دروب الصواب، في حشد كل من اختلفوا وتصارعوا وتقاتلوا ليدعيهم بروح مخلصة وصادقة إلى لملمة الشمل وتوحيد الراي الجنوبي، وإلى تأسيس موقف واحد موحد حول عدالة قضية شعب الجنوب العربي السياسية المشروعة.
نعم أيها المناضلون الجنوبيون الأحرار، لم يعد أمامكم من سبيل لبناء دولتكم المستقلة كاملة السيادة، سوى القبول بروح أخوية نقية وطاهرة من توجسات الشك والريبة، إلى توحد قراركم واستلهام مبادىء وحدتكم الجنوبية الراسخة تحت راية تجمعكم من سراديب التشتت والتنافر، وتضمكم بين احضانها في حوار شامل تتفقون به على هدفكم ومصيركم وهويتكم، وعلى انتزاع حقكم المشروع في استعادة دولتكم بموجب المواثيق الدولية.
وعليه: فأن اللقاء التشاوري للحوار الوطني الجنوبي المنعقد في العاصمة الجنوبية عدن خلال الفترة من 4 – 7 مايو 2023م، يمثل تحول تاريخي بالغ الدلالة في تجاوز تلك الاختلافات والتباينات ويردم عيوبها ونتائجها الكارثية، ويوطد من روح التسامح والتصالح الجنوبي المجيدة. تمنياتي لحواركم النجاح والتوفيق، وخالص الشكر والثناء لمن رعا وبذل الجهود في النزول الميداني إلى معظم مديريات محافظات الجنوب. ودمتم.