منذ العام 1980 تحاول الأصولية الدينية تحقيق الطموحات الواسعة لفرض أيديولوجيتها على مفهوم الدولة الوطنية العربية، واستمر التيار الراديكالي في مساعيه لتحقيق هذا الهدف وتشكلت قوى مدعومة بشكل مباشر من الأيديولوجية التي كانت تغذيها الجماعات الدينية وناهضت الدول الوطنية العربية، وخاضت معها صراعات دامية لم تنته حتى مع إجهاض محاولاتها حتى تمكنت «حركة طالبان» في 2021 من فرض سياسة الأمر الواقع بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان. حصلت «طالبان» وهي الحركة الدينية المتشددة على اعتراف سياسي، ومكمن الخطر أن جماعات مثل «الحوثي» في اليمن و«حزب الله» اللبناني، تكاد تحصل على ما حصلت عليه «طالبان». هذا الواقع الذي يتسارع في الشرق الأوسط الذي تعامل مع وحشية الجماعات المتطرفة على امتداد عقود ولم تمنح بالمطلق أي نوع من الشرعية السياسية، فلقد حرصت الدول الوطنية في تعاملها مع الجماعات الراديكالية، ألا تمنح هذه الجماعات صفة شرعية، كما أن تلكم الجماعات لم تتخل إطلاقاً عن أفكارها حتى وهي تقدم ما أسمته بالمراجعات الفكرية. ولا شك أن منح الشرعية السياسية لجماعات الإسلام السياسي يعتبر تطوراً غير مسبوق من نشأة الدول الوطنية العربية من بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، لطالما كانت هذه الجماعات تقاتل من أجل منحها الصبغة السياسية التي منها تمتلك السلطة في العالم العربي، وعلى ضوء ذلك كان التصادم عنيفاً بمقدار التضاد بين فكرة الدولة الوطنية والدولة الشمولية بإطارها الذي يدعي أنه «الإسلامي»، الذي يذهب إلى ما يسمى بـ«الخلافة»، هنا جوهر الصراع وهذا ما يحدث في الواقع السياسي بعيداً عن كل المسوغات التي تساق لتمرير الفكرة على الوعي العربي. لم تكن «داعش» ظاهرة عابرة، بل هي إفراز لماهية الدولة العقائدية، حتى وهي تظهر التوحش بجز الرقاب وحرق البشر، ما تطلب حربها من تشكل تحالف دولي لم يقض على نواتها كذلك كان حال تنظيم «القاعدة» من قبل الذي احتمى في عباءة حركة «طالبان» ذات يوم كانت الرايات السود ترفرف على قندهار وتورا بورا، وها هي تمتلك السلطة السياسية الكاملة تحت ولاية «طالبان». توشك اليمن ولبنان أن تتحول إلى دول دينية، في هكذا توقيت يتنبه العقل العربي إلى حقيقة أن كل ما بذل من جهد في مواجهة الجماعات الأيديولوجية لم يفض إلى القضاء عليها، بل إنها تحولت إلى دول تمتلك أصواتاً في الأمم المتحدة، وعلى دول العالم التعامل معها حتى وإنْ هي مارست القمع على النساء أو منعت التعليم أو فرضت طقوساً لا تناسب حقيقة القرن الحادي والعشرين. التعايش مع الوحوش سيكون بمثابة تحدٍ للعالم، يتجاوز ذلك التحدي الذي فشلت فيه البلاد العربية عندما لم تستطع أن تجبر الجماعات الدينية على مراجعة عقائدها، وها هي تخوض تعايشاً مخيفاً مع دول عقائدية لا تعترف بالحدود الوطنية، تعايش الضرورة سيفضي إلى مخاوف حتمية تتطلب أدوات مختلفة لتحصين شعوب المنطقة فالوحوش تحيط بنا من كل حدب وصوب