السبت , 23 نوفمبر 2024
خالد محمد الحنشي
لعل أبرز ما يتسم به المسلمون اليوم هو بعدهم عن روح الإسلام وجوهره ومقاصده ومراميه عن جهل ،
وانصباب جل اهتمامهم علۍ الشعائر والطقوس العرضية وانكبابهم عليها عاكفين بظنهم أنها روح الإسلام وجوهره ومقصده العظيم والأهم الذي من أجلها أُرسل الرسل وأُنزلتْ الكتب.
إن المتأمل النبيه الفطن لرسالة الإسلام وفحوۍ النص ومقاصده يستنتج مقاصد عظيمة وغايات نبيلة للنص الديني تتجاوز مجرد الشعائر والطقوس وترمي إلۍ إسعاد الإنسان وإصلاحه وإقامة العدل وإفشاء المحبة والسلام والتراحم والتكافل والتعاون بين بني الإنسان لما فيه مصلحة الإنسان وسعادته في الدارين.
إن المسلمين اليوم بأمس الحاجة إلۍ فهم مقاصد دينهم فهما صحيحا وإعادة دراسة فقه مراتب الأعمال وفقا للواقع وطبيعة الحاضر والراهن كي لا يظلوا عاظين بنواجذهم علۍ ظاهر النص وقشوره دون الوصول للب.
لقد شرع الإسلام بعض الشعائر كوسائل لا غايات
لإظهار الإسلام في بداية ظهوره وللإعلام به كشعيرة الحج والعمرة أمام قريش وغيرها من العرب كما كانت صلاة العيد كذلك تقام خارج المساجد وكذا التكبير في الطرقات باليدين.
العمرة والحج …أم الصدقات وإطعام الجائعين؟
الطواف بحجر … وجوع يطوي بطون البشر!
وبالنظر إلۍ واقع بعض البلدان العربية التي يرزح ملايين من مواطنيها تحت وطأة الفقر والجوع كاليمن التي يتضور أطفالها جوعا ويأكل بعض سكانها من القمامة إن وجدت ويبيت الآخرون طاوين جوعا والبعض يأكل وجبة واحدة في اليوم.
وفي هذا الواقع المأساوي الأليم يتزاحم المسلمون الصائمون من أهل الأموال علۍ مكة المكرمة ليطوفوا بالكعبة التي هي ليست بحاجة لطوافهم حولها بقدر حاجة جيرانهم الجوعۍ وأطفالهم الضامرين جوعا
ولو أن الكعبة الجامدة تتحدث لوبختهم علۍ صنيعهم هذا ولطردتهم من حولها ولأمرتهم بالطواف حول جيرانهم المعوزين.
عمرة في رمصان تعدل حجة!
يستدل هؤلاء بهذا الحديث تبريرا للذهاب بأموالهم نحو مكة وللنجاة بجلودهم من نار جهنم في حين إنهم يهملون آيات وأحاديث كثيرة تدعو لإطعام الجائعين والصدقات علۍ الفقراء وتفقد أحوال الجيران.
عمرة في رمضان تعدل حجة
و التصدق بتكاليف العمرة على الجائعين يعدل مليون حجة وفقا لمفهوم النصوص الدينية الكثيرة.
“وقد ورد عن فقهاء الأمة أنهم كانوا يرون الصدقة على الفقراء أفضل من العمرة ومن تكرار الحج
وقد خرج الإمام العالم العابد الزاهد عبدالله بن المبارك رحمه الله في الحج سنة فلقي فتاة تقول له: أنا وأخي هنا ليس لنا شيء إلا هذا الإزار، وليس لنا قوت إلا ما يلقي على هذه المزبلة، فدفع إليها نفقة الحج، وقال: هذا أفضل من حجنا في هذا العام. ثم رجع. “البداية والنهاية” (10/ 191).
وقال الحسن البصري رحمه الله: “يقول أحدهم: أحج أحج. قد حججت، صِلْ رحمًا، نَفِّسْ عن مغموم، أحسنْ إلى جار” رواه الإمام أحمد في “الزهد”. وقال الإمام أحمد رحمه الله: “يضعها في أكباد جائعة أحبُّ إليَّ -يعني من حج النافلة-” يُنظر “الفروع” لابن مفلح (3/ 386).
وعند الشافعية:
قال الإمام الزركشي الشافعي في “البحر المحيط: قال العبادي في “فتاويه”: الصدقة أفضل من حج التطوع في قول أبي حنيفة، وهي تُحتَمَل في هذا الزمان اهـ.
وعند الحنابلة:
قال العلامة المرداوي الحنبلي في تصحيح الفروع: مسألة: قوله: وهل حج التطوع أفضل من الصدقة مطلقًا؟ أم الصدقة مع الحاجة؟ أم مع الحاجة على القريب؟ أم على القريب مطلقًا؟ روايات أربع. وفي “المستوعب”: وصيته بالصدقة أفضل من وصيته بحج التطوع، فيؤخذ منه أن الصدقة أفضل بلا حاجة. وقال ابن الجوزي في كتاب “الصفوة”: الصدقة أفضل من الحج ومن الجهاد، انتهى.
وفي موقع ( إسلام ويب) المشرف عليه هيئة من كبار علماء المسلمين وردت الفتوى التالية:
“والناظر في أحوال الأمة اليوم يرى أن المضطرين إلى النفقة كثر، فكم من المسلمين في مشرق الأرض ومغربها لا يجدون المأكل والمشرب والمسكن، فيكون التصدق على مثل هؤلاء أولى من إنفاق المال في الحج والعمرة”.
انتهى.
وأفتت لجنة الإفتاء المصرية بمثل ما سبق.
ولنا أن نقف مع فضل الصدقات وإطعام الفقراء من الآيات القرآنية والسنة النبوية لنرى أفضلية ذلك على العمرة والطواف حول الكعبة الصماء
فقد أخبر الله تعالى أن من أسباب دخول أهل النار فيها: عدمَ إطعام المسكين؛ فقال تعالى: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ﴾ [المدثر: 42-44]، وقال تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ [الحاقة: 33-34].
وجعل سبحانه من الصفات السيئة: ترك إكرام اليتيم، وترك الحض على إطعام المسكين؛ فقال تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ [الفجر: 17-18].”
وفي وقال تعالى :
“وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ”
المنافقون آية 10
لولا أخرتني وأمهلتني في الدنيا كي أتصدق
لقد تمنوا لو أنهم عاشوا أكثر ليتصدقوا ويطعموا الفقراء
ولم يقولوا لنطوف بالكعبة.
وقال صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً ، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا ، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا» (صحيح الجامع).
أن خير الناس من يقوم بذلك:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خِيَارُكُمْ مَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ» (رواه أحمد).
وروى الطبراني في الكبير عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به.
ورواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه.
وصححه الذهبي في التلخيص، والألباني في صحيح الأدب المفرد.
خالد محمد الحنشي
ليسانس شريعة ودراسات إسلامية
وباحث في الفكر الإسلامي والأديان والمذاهب.
نوفمبر 22, 2024
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 19, 2024
نوفمبر 17, 2024