ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون”.
ذهب أبناء يعقوب عليه السلام من بلاد الشام إلى مصر ، وقد مسهم وأهلهم الضر ، حاملين “بضاعة مزجاة” ( أي قليلة ولا نفع فيها) يبتغون مبادلتها بطعام وفير يغيثون به قومهم ؛ومن مصر عادوا بالبشارة . كان أخوهم يوسف ، الذي القوه في غياهب الجب ليخل ُ لهم وجه أبيهم ، قد أصبح عزيز مصر ، وصدقت رؤية أبيه الذي تكبد مشقة فراقه كل تلك السنين .
في مقاربة ، لا تتوقف عند حدود الحكاية ، بل تتعداها إلى ما تحفل به الحياة البشرية من وقائع تتماثل ، من حيث الجوهر ، مع ما تجسده من قيم إنسانية حافلة بالتناقضات ، والتي يستلهم منها حقيقة أن إرادة الانسان هي التي تنتصر في نهاية المطاف باعتبارها صنو الحياة واستمرارها ، والمرادف الموضوعي للبقاء في مواجهة عناصر الفناء ، يمكننا تتبع حكايتنا نحن اليمنيين في الوقت الراهن ، وقد تشظينا وتفرقنا ليكبر عدو الحياة الذي أراد بنا وبوطننا شراً .
اليوم وبعد أن شرد اليمنيون داخل بلدهم وفي مختلف آفاق الدنيا أدركت نخبهم السياسية والاجتماعية والعسكرية أن تشظيهم كان السبب الرئيسي في ما حل بشعبهم من كارثة ، فلم يكبر منتج المأساة وصانعها إلا لأنهم تشظوا وتفرقت بهم الأسباب .
الشعب الذي صبر وتحمل وكابد كل ما اقترفوه من أخطاء بحقه عبر سنين طويلة من الصراعات والمؤامرات على بعضهم ( ليخلُ للمنتصر منهم وجه الوطن ) ، فكان أن انهزم الجميع .
لم تمنحهم الحياة ” يوسف” ليلم شملهم ويستبدل بضاعتهم المزجاة بالبشارة ، بل هداهم تفكيرهم إلى ضرورة تجميع روافد الحلم باستعادة الوطن من شظايا توزعت في كل أركان المعمورة .
اليوم لا يوجد ” يعقوب” يتنبأ بالبشارة عن بُعد ، وإنما هناك شعب أنهكته الحرب تعلم كيف يدرك الصدق ويتفاعل معه ، ولا خيار سوى هذا المسار لاستعادة ثقة الشعب القادر وحده على تحقيق الانتصار على أعداء الحياة .