وليد التميمي: جاء الإعلانُ الأمريكي صادمًا قبل يومين عن حجم المخدرات التي اعترضتها القوات البحرية المشتركة في العامين الماضيين، لا سيما فرقة العمل المشتركة 150 التي تتخذ من بحر العرب والبحر الأحمر وخليج عُمان مسرحًا لانشطتها، وكان آخر انجازٍ لها مصادرة مخدرات تزن 4 أطنان بقيمة 33 مليون دولار أمريكي يوم امس كانت على متن سفينة صيد.
في العادة يكون ميناء بندر عباس على الضفة الجنوبية لإيران مصدر تسيير شحنات المخدرات، وسبق أن أبحرت سفنٌ منه تهرب المخدرات نحو اوربا، ومن خلال تحليل سريع باستخدام المصادر المفتوحة يظهر أن الشحنة المصادرة بالأمس كانت على الأرجح تشق طريقها نحو بحر العرب وليس باتجاه مضيق هرمز، كون الأخير يحاذي عن قرب ميناء بندر عباس بينما الشحنة المضبوطة كانت تبحر في اتجاه مضاد “خليج عمان”، ولا يُستبعد أن يكون مسارها المُحدد مسبقًا باتجاه اليمن.
وكما هو معلوم، تُرسم خطوط تهريب المخدرات والأسلحة تبعا لمحددات سياسية وأمنية واقتصادية عند اختيار محطات إيصالها، وهذا ما يفسر اندفاع عصابات التهريب المنظمة نحو محافظات شرق اليمن، المهرة شبوة وحضرموت حيث يمتد شريط ساحلي على طول 798 كيلو متر يكون ملائما أمنيا لعصابات التهريب لانزال المُهَربات في الشواطئ ثم نقلها في الصحاري المترامية الأطراف إلى مناطق الحوثيين.
وبفعل تراجع الأمن والاقتصاد في اليمن تحت تأثير النزاع، وجدت إيران وحلفاؤها مليشيا الحوثي أنه من الملائم استغلال هذه الظروف المضطربة للاتجار بالمخدرات عبر بوابة اليمن بهدف الاضرار بدول الجوار بدوافع سياسية معادية؛ لكن تجار المخدرات لا يكتفون باستخدام اليمن محطةً لشحن بضاعتهم منها، بل لجأوا إلى إغراق البلد نفسه بالمخدرات التي أخذت حيزا من الاتساع بشكل لا يصدق، سيما مادتي الشبو والحشيش.
والواضح أن إيران تعمل بنفس السياسية التي استخدمتها ولا تزال في العراق فيما يخص الاتجار بالمخدرات، عندما أغرقته بها منذ بعد 2003م، إذ تحول العراق الى مصدر خطر على جيرانه ليس على المستوى الأمني فحسب، بل حتى على مستوى كونه بلد مُغرق بأصناف من المخدرات وصل الحال بعصابات التهريب فيه إلى استخدام الطائرات المسيرة لتهريب هذه المخدرات إلى السعودية، أو القوارب الصغيرة للتهريب إلى الكويت.
ومما لا شك فيه، أن تدنى القدرة على السيطرة على المنافذ البرية والسواحل المترامية يعد عاملا حاسما وراء خطر تحول اليمن إلى بلد استهلاك وعبور للمخدرات بالشكل الذي ترسمه إيران على نمط مماثل للحال في العراق أو سوريا التي هي الأخرى تحولت خلال 10 سنوات إلى بؤرة لتجارة الكبتاغون من خلال العصابات الإيرانية التي تقف منفردة وراء هذه التجارة التي تُدر عليها مليارات الدولارات.
ومن شأن هذا الخطر الذي بات يشكل تهديدا وجوديا لليمنيين أن يحول بلدهم الغارق في نزاعٍ دام منذ 8 سنوات إلى دولة مخدرات، بينما البلد ينوؤ تحت ثقل انهيار اقتصادي مستمر؛ لكن الخطر الأكبر يستهدف الان المحافظات الشرقية التي يسعى تجار المخدرات إلى جعلها بؤرة استهلاك أولى ومركزًا أساسيًا لشبكات تمتد على مستوى اليمن متخطيةً النفوذ والانقسامات