الجمعة , 22 نوفمبر 2024
إن يوم الثلاثين نوفمبر من العام ١٩٦٧م، هو اليوم الذي تجسدت فيه الإرادة الشعبية الثورية الجنوبية على الوطن الجنوبي، يومها رحل آخر جندي بريطاني من على تربة هذا الوطن الغالي، بعد أن دفع الثوار والمناضلون – ثمن ذلك التحرير – أرواحهم الغالية، وسالت دماؤهم الطاهرة على مدى أربع سنوات من الثورة المسلحة التي انطلقت من على جبال ردفان الشماء في ١٤ أكتوبر ١٩٦٣م، حتى كان لهم النصر المبين، بمؤازرة إرادة رب العالمين، في التحرر من استعمار الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
انبلج فجر الاستقلال، وارتفعت راية التحرير، منذ ذلك الثلاثين النوفمبري، وصار هذا اليوم وترا يعزف عليه فنانو الجنوب أجمل نغماتهم الثورية الوطنية، ومنهلا شعريا ثريا، نهل منه الشعراء كثيرا من القصائد الثورية الوطنية الخالدة، وسجلا سياسيا وتاريخيا خالدا، يسرد حكاية تحرر أسطورية صنعها الأبطال المناضلون بكل شموخ وإباء.
اعتاد الجنوبيون أن يحتفلوا بهذه الذكرى الغالية على قلوبهم، تغمرهم مشاعر الفخر التحرري، ومشاعر الإجلال لأولئك الذين أسقوا بدمائهم الزكية تراب الوطن الطاهر، حتى نضجت ثمرات التحرير يانعة مستساغة.
استمر هذا الحال حتى العام ١٩٩٣م، لكن بعد أربع سنوات فقط من تحقيق الوحدة المشؤومة في ٢٢ مايو من عام ١٩٩٠م، ابتلي شعب الجنوب ووطنه الجنوبي باحتلال جديد، تمثل في الاجتياح العسكري الآثم لأرض الجنوب في العام ١٩٩٤م من قبل حكام صنعاء وجحافلهم العبثية وقبائلهم الهمجية الرعناء، الذين رأوا في الجنوب غنيمة أبدية لهم فقرروا أن يشنوا عليه حربهم العدوانية الظالمة، حتى سيطروا على الجنوب أرضا وإنسانا بقوة النار والسلاح.
ومنذ ذلك التاريخ المشؤوم، يشعر الجنوبيون أنهم فقدوا أشياء كثيرة من ذلك الألق التحرري النوفمبري الذي استنشقوا من خلاله عبير الحرية ونسمات الاستقلال وشذا الانتصار الثوري المجيد، كونهم أصبحوا يرزحون تحت هيمنة احتلال جديد أثقل وقعةً ووطأةً من الاحتلال البريطاني، الأمر الذي حذا بهم – منذ اجتياح الجنوب عسكريا – نحو تشكيل الحركات الثورية النضالية السلمية والمسلحة، المناهضة للاحتلال الجديد، كان أبرزها الحراك الشعبي الجنوبي السلمي المطالب باستعادة الدولة الجنوبية، الذي انطلق في ٢٠٠٧م، ثم الثورة الشعبية الجنوبية المسلحة التي انطلقت في العام ٢٠١٥م، لدحر الغزو الحوثي الجديد والرديف للغزو العفاشي السابق، وتمكنت هذه الثورة – بدعم من الأشقاء في دول التحالف العربي – من تطهير معظم الأرض الجنوبية من الغزو الحوثي العفاشي، وتتوجت هذه الحركات الثورية التحررية بتشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي في العام ٢٠١٧م، الذي تسلم مهمة تحرير الأرض الجنوبية المتبقية تحت سيطرة الجحافل العفاشية الحوثية، ومهمة التمثيل السياسي لشعب الجنوب المطالب بحقه في استعادة دولته كاملة السيادة على حدود ما قبل ٢٢مايو المشؤوم عام ١٩٩٠م، وقد قطع المجلس الانتقالي شوطا كبيرا وصعبا ومعقدا، ولا يزال يخوض معركته السياسية والعسكرية بكفاءة عالية ومهنية فريدة، وها هو اليوم يقود شعب الجنوب نحو الاستقلال الثاني، بفضل إرادة رب العالمين أولا، ثم ثانيا بفضل القيادة الحكيمة ممثلة بالرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، وبفضل قواته العسكرية والأمنية البطلة، وصمود الشعب الجنوبي الوفي لقضيته ولوطنه ولقيادته، والأهم من ذلك بفضل شرعية القضية الجنوبية وعدالتها القانونية والسياسية والدستورية، التي لم ولن تقبل المزايدة أو المتاجرة بمشروعيتها، بالرغم من كثرة أعدائها، والمترصدين لها، والمراهنين على إفشالها ووأدها.
لكن الواقع يسير نحو أجواء نوفمبرية تحررية جديدة، والمعطيات تشير إلى أن موكب التحرير الثاني قد انطلق بخطوات واثقة ثابتة، ولن يتوقف إلا عند منصة التتويج التحرري الجديد، وعليه؛ فمن المؤكد أن الجنوب سيشهد أجواءً نوفمبرية جديدة مرتقبة، تعيد الاعتبار لفرحة ذكرى الثلاثين من نوفمبر التي أصيب زخمها التحرري بفعل الاحتلال الجديد.
وإن غدا لناظره قريب.
د.عبدالمجيب حسين مثنى
الثلاثاء ٢٩ نوفمبر ٢٠٢٢م.
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 19, 2024
نوفمبر 17, 2024
نوفمبر 11, 2024