السبت , 6 ديسمبر 2025
كتبه: د. عبدالمجيب حسين مثنى
……
تهلّ علينا الذكرى الثانية والستين لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، الخالدة في وجدان وذاكرة وخلجات قلوب أبناء شعب الجنوب، التي نحتت ذكرها وحروفها بأشعة من نور النصر المؤزر على صفحات ذاكرة الفخر والشرف والبطولة والتضحية والصمود الأسطوري، والنصر المبين.
لقد انطلقت ثورة الرابع عشر من أكتوبر المباركة من على قمم جبال ردفان الشماء المباركة برجالها، كبركة باقي بقاع الأرض الجنوبية الأخرى المكتظة بهامات البسالة النادرة، المتسابقة نحو الشهادة لتحرير الوطن، كتسابق جنود الاحتلال البريطاني نحو الحياة، هروبا من الموت ومن وقع نيران أبطال الثورة والتحرير على امتداد الأرض الجنوبية، وإن كانت لردفان فضل السبق في انطلاق الشرارة التحررية الأولى، التي اشتعلت جذوتها لتعم أرض الجنوب طولًا وعرضًا.
أنطلقت الثورة المباركة وأصبح الحوار منطوقًا بفوهات بندقية الثوار، وهو الحوار الوحيد الذي يمكن أن تستوعبه وتنصت له العقليات الاستعمارية المتعجرفة، واستمر الزخم الثوري التحرري أربع سنوات من العطاء النضالي المسلح منقطع النظير، في ظل معركة غير متكافئة بين الأطراف في العدة والعتاد، بين رجال الثورة بإمكانياتهم البسيطة والمحدودة، وبين جيش المستعمر المدجج بأحدث الأسلحة والمعدات، لكن الثوار كانوا يتفوقون في السلاح الأكثر تأثير وفتكًا وتدميرا للأعداء، ألا وهو سلاح الإرادة الثورية الصادقة، والعزيمة النضالية الفولاذية، والمعنويات القتالية العالية التي لا تصد ولا ترد، وهذا هو ما رجح الكفة للثورة المباركة، التي تتوجت بالتحرير التام والاستقلال الناجز في الثلاثين من نوفمبر من العام 1967م.
لقد أشعل الآباء والأجداد تلك الثورة وتمكنوا من حسم العمل الثوري بالتحرير ثم الاستقلال، ومن ثم قيام دوله الجنوب العربي على كامل الأرض الجنوبية المتعارف عليها ضمن الواقع الجغرافي لدولة الجنوب لما قبل تاريخ 22 مايو المشؤوم من العام 1990م، ليسطر أولئك الآباء والأجداد أعظم ملاحم البطولات بكل شرف واقتدار، وليسجلوا واحدة من أعظم الانتصارات الثورية التحررية في القرن العشرين وفي العصر الحديث.
غير أنه من المؤسف أن هذا التحرير لم يكن التحرير النهائي، فبعد انتكاسة الوحدة بأربع سنوات فقط، وقعت أرض الجنوب مجددا تحت وقع الاحتلال اليمني، من قبل جحافل قوات العربية اليمنية وأحزابها الإرهابية وقبائلها الهمجية المتخلفة التي فرضت أمر هذا الاحتلال بوصفه أمرا واقعا في 7 يوليو 1994م، ليقضي على كل ما تم بنائة في عهد دولة الجنوب من كوادر ومؤسسات ومرافق ومصانع وموارد، وكل ما يتعلق بمقومات الدولة الجنوبية، ثم ليأتي العام 2015م ليكرس احتلال عام 1994م وليؤكده على أرض الواقع، حينما اتحدت كل المكونات العسكرية والسياسية والقبلية والعقائدية المنتمية للعربية اليمنية، واعلنت الحرب والغزو الجديد، في الوقت الذي ما زال فيه الغزو السابق قائمًا.
عموما، تعيدنا تداعي الأفكار لأبطال ثورة أكتوبر من الآباء والأجداد، الذين معظمهم قد توفاهم الأجل ونسأل الله لهم الرحمة، ومن بقي منهم القليل يعيشون سنوات آخر العمر، ونسأل الله لهم العافية والعمر الطويل، وفي الحقيقة أن هؤلاء الثوار لم يفنوا ولم يشيخوا، فهم من قام بمهمة تحرير أرض الجنوب من جحافل الاحتلال اليمني منذ العام 2015م، وإن كانوا لم يقوموا هم بهذه المهمة شخصيا، بل أوكلوا لها أبناءهم وأحفادهم، فهذه الأشبال الضارية اليوم التي تذود عن أرض الجنوب ومكتسباته ما هي في الحقيقة إلا من نسل تلك الأسود المرعبة التي قضت على المستعمر البريطاني.
أسود الأمس أعلنت الثورة والتحرير والاستقلال وقيام الدوله الجنوبية، وأسود اليوم كذلك أعلنت الثورة والتحرير، وبقي إعلان الاستقلال وقيام الدولة الجنوبية الذي صار “قاب قوسين أو أدنى”.

ديسمبر 5, 2025
ديسمبر 5, 2025
ديسمبر 2, 2025
ديسمبر 1, 2025