قرأت اليوم منشورًا هزّني من الأعماق… كتبه أحد الزملاء عن زميل المهنة الإعلامي مازن، ابن محافظة لحج، خرّيج كلية الإعلام، ذلك الشاب الذي حمل يومًا كاميرته ومذياعه يحلم بأن يكون صوتًا للحقيقة وضميرًا للناس.
مازن لم يكن عابرًا في كلية الإعلام، كان من الأوائل… طموحًا، مثابرًا، يرى في الإعلام رسالة لا مهنة، صوتًا لا سلعة. كان يحلم بميكروفون يعبّر به عن هموم الناس، بكاميرا توثق الحقيقة، بقلم يواجه الزيف لكنه — وكغيره كثيرون — اصطدم بجدار الواقع… واقع أخرس الصوت، وأطفأ الصورة، وقزّم المهنة إلى حفنة مصالح ومحسوبيات.
اليوم، لم نرَ مازن في قناة فضائية، ولا في برنامج حواري، ولا حتى في مكتب بسيط داخل مؤسسة إعلامية رأيناه يفترش الأرض، يبيع الخضار على بسطة صغيرة… يزن الكيلو ويحسب القيمات، لا الكلمات.
لقد تكالبت على الإعلام الأيادي العابثة، وتمّت تصفية الحُلم من الداخل، لا من الخارج أصبح الإعلام حكرًا على من يُجيد التزلّف، لا من يُجيد الوقوف ومن لا يرضخ… يُركن جانبًا، أو يُلقى به في الهامش.
ومع ذلك، مازن لم يمدّ يده لأحد، ولم يبع كرامته في سوق النفاق اختار كرامة البسطة على ذلّ الولاء الكاذب، اختار عرق الجبين على لعنة التلميع المدفوع.
مشهد مازن اليوم ليس فقط مشهدًا لشابٍ يبيع الخضار، بل هو صورة باهتة لمهنة تُحتضر، لعدالةٍ غائبة، لبلد يُهاجر فيه الحُلم قبل الجسد.
لك يا مازن كل الاحترام… فأنت في هذا المشهد، رغم الحزن، أكثر شرفًا من كثيرين جلسوا خلف الشاشات، وباعوا ما تبقّى من ضمائرهم على أعتاب السلطة والمال.