الجمعة , 5 ديسمبر 2025

بقلم المدرب/عارف عبدالهادي الصبيحي
يا صديقي، يقول الله تعالى في محكم التنزيل: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) [الطور:21].
وفي حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟) ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30].
أيها الأب الكريم والأم المدرسة، إن تربية الأبناء ليس مجرد واجب يومي؛ بل أمانة عظيمة ومسؤولية يتوقف عليها بناء أجيال صالحة، وأمة متماسكة، وهي البنية الأساسية لبناء الدول والأوطان، وبناء مجتمعات قوية ومتينة في الإسلام. كما تُعَدُّ تربية الأبناء عبادة عظيمة، أوصى بها النبي-محمد صلى الله عليه وسلم- وحث عليها في العديد من أحاديثه الشريفة.
أيها الأب الكريم والأم المدرسة، أنتما من تصنعان مستقبل أولادكم بعون الله تعالى وتوفيقه، إن رحلة إصلاح ذريتكم تبدأ من إصلاح أنفسكم، إنّ صلاحكم هو الأساس لصلاح أطفالكم. تذكر قول سعيد بن المسيب لابنه: “لأزيدن في صلاتي من أجلك يا بني، رجاء أن أُحْفَظَ فيك”، ثم تلا قول الله: “وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا”.
إن الأبناء يتعلمون من أفعال الوالدين أكثر مما يتعلمون من كلامهم؛ لذلك، يجب على الوالدين أن يكونا قدوة صالحة في الأخلاق، الالتزام الديني، ومعاملة الآخرين. صلاحكم ينعكس على ذريتكم بشكلٍ مباشر إذا رأى الطفل والديه يتعاملان بصدق، وأمانة، ورحمة؛ فإنه سيتبنى هذه القيم تلقائيًّا.
كما قال الشاعر:
مشى السَّرَطانُ يومًا باعوجاج
فــقــلَّـــدَه بـمــشــيتــه بـنــوه
ويــنــشــأُ نـاشـئُ الفِتـيان مِنّا
عـلـى مــا كــان عَــوَّده أبــوهُ
ويقول الشاعر:
يَنْشا الصغيرُ على ما كانَ والدُهُ
إنّ العُرُوقَ عليها يَـنْبُتُ الشجرُ.
أيها الآباء الكرام، أن الرماد الذي يشعل نارًا أصبح اليوم راكدًا، وإن ما نراه اليوم في مجتمعاتنا وفي شوارع مدننا بأم أعيننا من فلذة أكبادنا يندى له الجبين، ويبكي عليهم القلب حسرة، شباب وفتيات صغار في عمر الزهور يعتكفون ليلًا ونهارًا على الهاتف، تراهم يحتلقون أمام شبكات الإنترنت وتظن أنهم يحتلقون في ذكر الله تعالى… ولكن العكس، يحتلقون ويقلبون أجهزتهم من لعبة إلى أخرى، ويا ليت في ألعابهم يلهون فقط، إن العدو يتربص بنا وبشباب المسلمين، تظهر لهم تلك المقاطع الخليعة والمخلة بالآداب، تظهر لهم بغير قصد من الشباب ولا هم يبحثون عنها حتى تطبع في قلوبهم وينجروا خلف هذه التفاهات حتى يخرج ابنك أو ابنتك عن سيطرتك أيها الأب الكريم.
حافظوا على هذه الثروة الغالية، انتبهوا لما يراد بشباب وفتيات المسلمين، إن أعداءنا يريدون قتل الأمة من خلال شبابنا وفتياتنا، وتأملوا حال من وقع في شباكهم، ولكم فيهم دروس وعبر، إن السبب الأول والرئيسي في ضياع الأبناء والبنات هما الوالدين، حيث يشجعونهم على شراء تلك الملابس التي تغضب الرب، وتنتزع الحياء، وتقتل الحشمة، وتلك الحلاقات التي فيها تقليد للغرب واليهود والنصارى إلا من رحم ربي؛ ولأنهم يمكنوهم تلك الهواتف منذ صغرهم وهم لا يعلمون ما هو الصالح والفاسد في تلك الأجهزة وشبكات الإنترنت، ويتركونهم وشأنهم بدون حسيب ولا رقيب.
تسأله لماذا تعطي ابنك أو ابنتك هاتفًا وهما في صغرهم؟ يقول لك: لأنه نجح في دراسة كذا وكانت درجاته عالية في إحدى السنوات الدراسية.
أيها الأب العزيز، بدلًا من أن تستثمر هذه الثروة الغالية في بيتك وأهلك لدنياك وآخرتك، صرت تدمره يومًا بعد يوم بشرائك له هذا الهاتف.
أيها الأب الكريم والأم المدرسة، عليكم أن تختاروا طريقكم من الآن ليوم عظيم وأهوال شديدة يشيب منها الولدان، وتدنو الشمس مقدار ميل (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج:1-2].
إما أن تكون مع: (يَوۡمَ يَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ (35) وَصَٰحِبَتِهِۦ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ يَوۡمَئِذٖ شَأۡنٞ يُغۡنِيهِ (37) سورة عبس. أو تكون مع: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب، يقول لصاحبه: هل تعرفني؟ أنا الذي كنتُ أُسهر ليلك، وأظمئ هو أجرك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وأنا لك اليوم من وراء كل تاجر؛ فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويُكسى والداه حلَّتين لا تقوم لهما الدنيا وما فيها، فيقولان: يا رب، أنى لنا هذا؟ فيقال لهما: بتعليم ولدكما القرآن ـ رواه الطبراني في الأوسط.
أيها الأب الكريم والأم المدرسة، هناك الكثير من يسعى ويجتهد ليلًا ونهارًا في تعليم وتربية أبنائهم، ولكن دون جدوى؛ لأن التوفيق والهداية من الله تعالى، ولكن وجب عليك أيها الأب الكريم عدم توفير سبل الوصول لهم إلى المعصية، ولا تكن جسرًا لهم في تسهيل المعصية والانحراف. أيها الأب الكريم، لا تيأس ولا تحزن، فتعبك لن يذهب سدى، والله عز وجل سيجازيك ويكافئك على تعبك وصدقك. يقول الله تعالى في محكم التنزيل: ﴿وَأَن لَيسَ لِلإِنسانِ إِلّا ما سَعى () وَأَنَّ سَعيَهُ سَوفَ يُرى﴾ سورة النجم: [39-40]
اعلامي جنوبي
ديسمبر 5, 2025
ديسمبر 5, 2025
ديسمبر 5, 2025
ديسمبر 5, 2025