في الجنوب اليمني، حيث تنبض الأرض بالعراقة وتتنفس الجبال كبرياء، تقف محافظة لحج شامخةً رغم الألم، صابرةً رغم الجراح، صامتةً وسط ضجيج الخذلان. لحج، المحافظة التي لطالما كانت في قلب المشهد الوطني، أضحت اليوم في الهامش… لا صوت يدافع، ولا يد تمتد، وكأنها لم تكن يومًا حصنًا منيعًا وسندًا صلبًا في لحظات المصير.
لقد خُذلت لحج، نعم، خذلها الجميع. خذلها القريب الذي استفاد من تضحيات أبنائها وتاريخها المشرّف، ثم تنكّر لها عند أول منعطف. وخذلها البعيد الذي رأى فيها مجرد معبرٍ أو رقمٍ على خارطة، دون أن يُدرك حجم الألم الذي يسكن كل شبر من أرضها.
لحج لم تكن يومًا عالة على أحد. كانت دومًا منبع العطاء، منجم الرجال، وموطن الكبرياء. قدمت القوافل من الشهداء والمجاهدين، وكان لها سهمٌ واضح في كل معركة شرف خاضها هذا الوطن الجريح.
ولكن ماذا نالت مقابل كل ذلك؟ نالت الصمت، النسيان، والإقصاء. نالت سياسة التهميش والتجاهل، وصارت تصرخ بلا مجيب، وتئن بلا راحم.
أيّ عدالة هذه التي تُقصي لحج من معادلة الإنصاف؟ وأيُّ منطقٍ هذا الذي يُهمّش محافظة لها من التاريخ ما يكفي لإسكات كل أفواه النكران؟
رغم كل شيء، لم تنكسر لحج. فالكرامة متأصلة في ترابها، والعزة في دماء رجالها ونسائها. وإن خذلوها اليوم، فإنها لن تنسى، ولن تسامح. ستكتب أسماءهم في صفحات الخيانة، وستسجّل بصمتها في وجه كل من خذلها.
وستنهض… نعم، ستنهض لحج من جديد، وسيعود صوتها مدوّيًا، لا يُجامل ولا يُساوم، لأن من ذاق مرارة الخذلان، لا يمنح ثقته لمن لا يستحق.