خمسة عشر عامًا تمضي على رحيلك يا محسن… لكنني أقسم، كأنك غادرتني البارحة.
الخامس عشر من مايو ليس مجرد تاريخ، بل هو الوجع المزمن في قلبي، والجرح المفتوح الذي لا يندمل، هو الذكرى التي علّقت قلبي على حافة الغياب، حين خطفتك الشهادة، وتركتني أقاوم الوحدة والحنين والذكريات المنهكة بصبرٍ يتيم. محسن… أخي، وقطعة من روحي، ورفيق الطفولة والشقاوة والنضال. كنتَ دائمًا أكثرنا شجاعة، والأصدق في حديثك، والأوفى في موقفك. كنت تحلم بجنوبٍ حر، وكنت تؤمن بأن الكرامة لا تُنتزع بالكلام، بل بالفعل، وبالدم، وبالتضحية الكبرى. وما أعظمك حين قدّمت روحك ثمنًا لذلك الحلم. كيف أنساك وقد سقطت شهيدًا في مدينة الحبيلين، تُقاتل موكب الظلم والطغيان بيدٍ نحيلة، لكن بإيمانٍ يعادل ألوية وجيوش؟ كيف أنسى ملامحك في لحظاتك الأخيرة، تلك التي لم أرَها، لكني أعيشها في كل حلم، وأتخيلها في كل نظرة لأمنا المكلومة، التي ما زالت تناديك بين صمتها ودعائها؟ يا ابن الشهيد، ويا شقيق الشهيد، ويا رفيق الشهداء… رحلت، لكنك تركت لنا إرثًا من الكبرياء لا يُشترى، ومواقف لا تُنسى، ومسارًا نقتدي به مهما طالت الليالي واشتدت المحن. كنت رجلًا في زمن عزّ فيه الرجال، واستشهدت واقفًا، كما عشت. محسن، لم تكن وحدك في درب الشهادة، فإخوتك ساروا على دربك، وأخي الحبيب محمد عبدالله محسن الوهيبي لحق بك في جبهة العند، واقفًا بكل بسالة في وجه المليشيات الحوثية، وهو يدافع عن عدن وردفان والجنوب بأكمله. كانت شهادة محمد امتدادًا لملحمة عائلتنا، التي قدمت الشهداء واحدًا تلو الآخر، دون تردد، ولا ضعف، ولا تراجع.
نحن لا نحمل السلاح حبًا في الحرب، بل لأننا نعرف أن الكرامة لا يحرسها سوى دماء الأحرار.
ولأنك كنت أولنا في درب التضحية والفداء ، كنت أولنا في المجد، وأولنا في الخلود.
أقسم أن ذكراك لا تغيب عني لحظة. كل شارعٍ في الحبيلين يذكّرني بك، كل طفلٍ يُرفع علم الجنوب يتنفس من دمك، وكل شهيد يُذكر، يُقال بعده: “مثل محسن الوهيبي”. محسن، يا أنبل من عرفت، يا من علّمتنا أن الموت لأجل الوطن حياة، وأن القبر قد يكون أول طريق إلى الخلود… في ذكراك الخامسة عشرة، لا نملك لك سوى الدعاء، وسيرةً نحكيها لأولادنا، ونقول لهم: “كان لي أخ اسمه محسن… لم يمت، بل عاش فينا، واستشهد ليبقى الجنوب حيًا.” سلامٌ عليك يا أخي، سلامٌ عليك يا شهيد الكرامة، وسلامٌ على رفاقك الذين سبقوك، والذين ما زالوا يسيرون على خطاك. لن ننساك أبدًا،