الأربعاء , 26 مارس 2025
كتب / د. حافظ قاسم القطيبي :
في خطوة ترويجية مكشوفة لا تخلو من الأهداف السياسية والتجارية، أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التابعة للحكومة المعترف بها، عما أسمته نتائج التصنيف الوطني للجامعات لعام 2024، متذرعة بتحسين جودة التعليم وتعزيز التنافسية الأكاديمية. لكن هذه الخطوة تأتي في وقت تعاني الجامعات الحكومية في الجنوب من إضراب شامل لأعضاء هيئة التدريس، الذين يطالبون بحقوقهم المعيشية المسلوبة في ظل انهيار اقتصادي حاد وغياب أي دعم حكومي حقيقي.
وبدلًا من التعامل الجاد مع هذه الأزمة، اختارت الوزارة الهرب إلى الأمام بتلميع الجامعات الأهلية ومنحها الصدارة في التصنيف، متجاهلة الواقع المزري للجامعات الحكومية التي تكافح للبقاء في ظل شح الموارد. فكيف يمكن الحديث عن تصنيفات أكاديمية، وأعضاء هيئة التدريس يعانون ظروفًا معيشية متردية، تجبرهم على الانشغال بتأمين قوت يومهم بدلًا من التركيز على البحث؟ كيف يُنتظر منهم الإبداع ونشر الأبحاث العلمية في بيئة قاسية تفتقر إلى الحد الأدنى من الاستقرار والدعم؟
تصنيف دعائي وتغطية على الفشل والفساد
في وقت تتوقف فيه العملية التعليمية في العديد من الجامعات الحكومية بعدن وأبين ولحج وشبوة، تصدر وزارة التعليم العالي تصنيفًا يخفي وراءه فسادًا متجذرًا وإخفاقات متراكمة، من بينها الفساد في توزيع المنح الدراسية، كما أشار العديد من المراقبين.
إن تصدّر الجامعات الأهلية لهذا التصنيف، ليس محض مصادفة، بل هو امتداد لسياسات التمييز الممنهجة التي تتبعها الوزارة، واضعةً التعليم الحكومي في آخر أولوياتها.
وليس سرًا أن بعض الجامعات الخاصة، وعلى رأسها جامعة العلوم والتكنولوجيا، تحظى بدعم سياسي واضح، مما يثير تساؤلات عن دوافع هذا التصنيف.
إن هذا المشهد يُفسر على أنه محاولة لإحكام السيطرة على قطاع التعليم عبر استهداف الجامعات الحكومية وإضعافها لصالح الجامعات الخاصة المدعومة من جهات سياسية محددة. فبدلًا من مواجهة الأزمات الحقيقية التي تهدد مستقبل التعليم العالي، تنشغل الوزارة بالترويج لمؤسسات تعليمية معينة، وكأنها تعمل لصالح شركات استثمارية، لا لخدمة المصلحة العامة.
تمييز واضح وخدمة أجندات
إن الجامعات الحكومية، التي كانت لعقود رمزًا للعلم والمعرفة، تُركت لمصيرها المحتوم في ظل غياب أي خطط فعلية لإنقاذها. فالوزير خالد الوصابي، بدلًا من مواجهة هذه الأزمة، اختار أن يلمّع الجامعات الخاصة ويمنحها الأفضلية في التصنيف، في مشهد يعكس بوضوح أولوياته وأجنداته التي تصب في اتجاه معين وفي مصلحة التعليم الخاص على حساب الجامعات الحكومية.
فالجامعات الحكومية تعاني تدهور البنية التحتية، وكذلك تدهور الوضع المعيشي لأعضاء هيئة التدريس، فقد صار الراتب لا يفي بأبسط متطلبات الحياة. ومع ذلك، تتعامل الوزارة وكأن المشكلة غير موجودة، متجاهلة أن التعليم الجامعي الحكومي هو العمود الفقري للتعليم العالي في البلاد، وأن انهياره يعني انهيار النظام التعليمي بأكمله.
ضعف الدور الجنوبي وتواطؤ بعض المسؤولين
من المفارقات المؤسفة أن هذا التدمير الممنهج للتعليم الحكومي في المحافظات الجنوبية يحدث وسط غياب رؤية واضحة للمجلس الانتقالي تجاه وضع التعليم، وافتقار القيادات الجنوبية لموقف حاسم إزاء هذه الأزمة.
أما المسؤولون الجنوبيون داخل الوزارة، فقد تورط بعضهم في الفساد،
بينما اختار آخرون الصمت مقابل مكاسب آنية، كالمنح الدراسية أو السفريات إلى الخارج. وبعضهم تكيف مع الوضع القائم.
إن هذا التخاذل والضعف أتاح استمرار سياسات التدمير والإقصاء، وحوّل الجامعات الحكومية في الجنوب إلى مؤسسات مهملة،
بينما تتجه الأنظار نحو الجامعات الخاصة التي تحظى بكل أشكال الترويج.
إن هذا الواقع لا يهدد مستقبل التعليم العالي فحسب، بل يكرّس التبعية والإقصاء ويعمّق الأزمة التعليمية في الجنوب واليمن عمومًا.
إصلاح التعليم يبدأ بتحسين أوضاع أعضاء هيئة التدريس.. لا بالدعاية الفارغة
إذا كانت الوزارة جادة فعلًا في تحسين جودة التعليم، فعليها البدء من الأساس: تحسين الأوضاع المعيشية لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات الحكومية، وضمان استمرارية العملية التعليمية، قبل التباهي بتصنيفات غير واقعية. فلا يمكن لأي نظام تعليمي أن يزدهر في ظل تجاهل حقوق أساتذته، وعدم تأمين الحد الأدنى من الاستقرار المالي والمعيشي لهم.
إن تطبيق أي تصنيف للجامعات يجب أن يكون بعد توفير الأسس العادلة لقياس الجودة، وليس في بيئة تعليمية مشلولة بسبب الإضرابات وسوء الإدارة. كما أن تحسين الأوضاع المعيشية لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات الحكومية يجب أن يكون على رأس أولويات الوزارة والحكومة، لا مجرد ترويج لجامعات خاصة بطرق غير نزيهة.
مسؤولية أمام التاريخ
إن استمرار هذه السياسات الفاشلة، والتغاضي عن الكارثة التي تهدد التعليم الجامعي، يعني أن مستقبل الأجيال القادمة في خطر. فالتعليم ليس سلعة تجارية، وليس حكرًا على جامعات بعينها، بل هو حق لكل طالب. وإذا لم تتحرك الحكومة، ومعها القيادات الجنوبية، نحو إصلاح حقيقي، ووقف فساد وزارة الوصابي، فإنها ستكون مسؤولة أمام التاريخ عن تدمير واحد من أهم ركائز بناء المجتمع والدولة.
إن الجامعات الحكومية ليست مجرد مبانٍ أو تصنيفات على الورق؛ بل هي مؤسسات تحمل مسؤولية تعليم أجيال كاملة. وإذا لم تُمنح هذه الجامعات الاهتمام الكافي، فإن مستقبل التعليم في البلاد سيكون على المحك.
اعلامي جنوبي
مارس 25, 2025
مارس 25, 2025
مارس 25, 2025
مارس 25, 2025