الأربعاء , 12 مارس 2025
تعد مدينة شبام، الواقعة في محافظة حضرموت، واحدة من أروع وأقدم الأمثلة على الهندسة المعمارية التقليدية في العالم. تتسم هذه المدينة التي سُميت بـ”مانهاتن الصحراء” بوجود ناطحات سحاب طينية شاهقة تعود إلى القرن السادس عشر، وتعتبر من أقدم الأبراج السكنية في العالم. هذه الأبراج، بُنيت من طوب اللّبن المجفف تحت الشمس، وتعد نموذجا فريدا للعمارة الشاقولية المتطورة، التي تم تصميمها لتتناسب مع البيئة الصحراوية القاسية.
وتتمتع شبام بموقع إستراتيجي جعلها مركزا تجاريا مهما في العصور القديمة على طريق تجارة التوابل والبخور. كما أدرجت المدينة في قائمة التراث العالمي لليونسكو بفضل قيمتها التاريخية والمعمارية الاستثنائية.
وقال المرشد السياحي محمد فيصل با عبيد إن بناء المدينة على شكل أبراج عالية كان نتيجة لعدة عوامل، أبرزها الحماية ضد الهجمات والغزوات التي تعرضت لها المدينة عبر العصور. وأضاف أن التاريخ يشهد على الحروب التي شهدتها شبام، إضافة إلى فيضان سابق دفع الناس إلى التفكير في البناء العمودي لتوسيع المساحة ضمن حدود المدينة.
وكانت الأبراج تستخدم لأغراض دفاعية أيضا، حيث كانت تسمح للمحاربين بالتنقل بسرعة بين المباني من خلال الممرات الضيقة، مما يجعل المدينة قادرة على الصمود أمام الهجمات العسكرية.
تتميز شبام بتصميمها المتين، حيث تُقسم إلى شوارع وساحات محصنة ضمن سورٍ عالٍ، وتعتبر هذه الجدران والأبراج التي تصطف بجانب بعضها بمثابة دفاع قوي ضد أي تهديدات. يبلغ ارتفاع الأبراج السكنية 25 مترا، وتتنوع بين 5 و7 طوابق، مما يمنح المدينة طابعاً مميزا. كما تتميز هذه الأبراج بمقاومتها للحرارة الشديدة في الصيف، بفضل تصميمها الذكي الذي يساهم في جعل الجو داخل المباني معتدلا، فالجدران الطينية السميكة تحتوي على فتحات تهوية تسمح بتدفق الهواء، مما يخلق بيئة باردة داخل المنازل على الرغم من حرارة الجو خارجها.
تعتبر شبام مثالا على التصميم المعماري الذي يتكيف مع البيئة الصحراوية، حيث كان البناء العمودي هو الخيار الأمثل لتوفير المساحة وحماية السكان في آنٍ واحد. ورغم التحديات البيئية التي تواجه المدينة بسبب موقعها في صحراء حضرموت، مثل ارتفاع درجات الحرارة التي تصل إلى 40 درجة مئوية في الصيف، فإن هذه الأبراج تظل صامدة بفضل المواد المحلية التي تم استخدامها في البناء، كطوب اللبن المصنوع من الطين الذي يُجلب من شطآن الأنهار القريبة ويعد عنصرا رئيسيا في هذا التصميم، ويمنح الأبراج هذه القوة والقدرة على البقاء لعقود طويلة.
على الرغم من العراقة التاريخية والجمال المعماري اللذين تتمتع بهما المدينة، فإن شبام تواجه تحديات كبيرة نتيجة الحرب المستمرة في اليمن والتغيرات المناخية. كما أن الأمطار الموسمية الغزيرة تهدد استقرار الأبراج الطينية، مما يستدعي جهوداً مستمرة من الترميم والصيانة للحفاظ عليها. ولكن، يظل الأهالي في شبام حريصين على الحفاظ على هذه المدينة التاريخية، حيث يُؤكّد سكانها على أنهم يعتبرونها جزءا من هويتهم، ويقول محمد خميس، أحد السكان، “المدينة هي حياتنا، ونحن نريد الحفاظ عليها من أجل العالم بأسره.”
ورغم التدهور الاقتصادي الذي يعصف بالبلاد، تنتظر شبام أن تصبح واحدة من أبرز وجهات السياحة في اليمن ومكاناً لا يمكن تفويته للمهتمين بالتراث المعماري الفريد، والذين يسعون لاكتشاف ناطحات السحاب الطينية التي صمدت لقرون طويلة. وقد ساعدت بعض المبادرات الدولية في ترميم المباني وحمايتها من التدهور.
وما يزال سكان المدينة الذين رفضوا أن يغادروها يستمتعون بأجوائها، ففي الصيف حين تنخفض درجات الحرارة، تنبض المدينة بالحياة، حيث يجتمع الرجال في المقاهي أو في الهواء الطلق للدردشة أو لعب الدومينو، بينما تظل ناطحات السحاب الطينية الشاهقة خلفهم تشهد على تاريخ المدينة العريق.
ويقول محمد فيصل با عبيد أن “لدينا في الواقع تحديات كثيرة وهي خصوصا ذات طبيعة مناخية: صحيح أن سكان المدينة يستفيدون بالفعل من الأمطار الموسمية لكن السماء تمطر حاليا بكميات كبيرة مفزعة وهذا له عواقبه على المدينة نظرا لأنها مَبنيَّة من الطين وفي حاجة إلى ترميم مستمر.”
ويأمل أن تصبح شبام قبلة سياحية يتوافد إليها الزوار، ليحظوا بفرصة تجربة التراث المعماري الفريد الذي تمتلكه، ويرى أن الأمل سيظل قائما في أن يتم الحفاظ عليها كجزء من التراث العالمي، وأن تستمر في التألق كواحدة من أهم معالم العالم المعماري، التي تحمل عبق التاريخ وتجمع بين الأصالة والابتكار.
مارس 12, 2025
مارس 12, 2025
مارس 12, 2025
مارس 12, 2025