كأن الفرح في أوطاننا جريمة لا تُغتفر. بالأمس، تسربت أخبار وصول الوديعة المزعومة، وكادت تُزرع بسمة خجولة على وجوه الناس المنهكة، لكن ما لبثت أن انطفأت مع أول انقطاع للكهرباء. وكأن الوطن قرر أن يعاقبنا على لحظة أمل، أو أن “الوديعة” نفسها لم تجد طريقها سوى إلى جيوب من يجيدون تحويل الحلم إلى كابوس.
نتساءل: أين تذهب هذه المليارات التي تُجمع من الضرائب والجبايات؟ سؤال بات كحكايةٍ مملة، جوابه الوحيد الصمت أو ضحكات ساخرة من هؤلاء الذين يتربعون على عرش الفساد. الضرائب تُقتطع من لقمة العيش، الجبايات تُؤخذ عنوة وكأننا مدينون لزعمائنا بثمن بقائنا على قيد الحياة. ومع ذلك، لا رواتب تُصرف ولا خدمات تُنتظم.
الكهرباء انقطعت. والماء شحيح. والطرقات تحولت إلى خرائط من الحفر. المستشفيات؟ أشبه بمقابر تنتظر. التعليم؟ رفاهية لم نعد نحتمل التفكير فيها. فأين المليارات؟ بل أين الحد الأدنى من الكرامة؟
الجواب بسيط ومعقد في آن: الفساد. كلمة صغيرة لكنها تحمل بين طياتها جبالًا من المآسي. تلك الأموال التي كان يفترض أن تُنير الشوارع وتُشغّل المصانع وتعيد الحياة للمستشفيات، تُختفي. ذابت في حسابات بنكية بعيدة عن هذا البلد، أو تحولت إلى قصور فاخرة وسيارات فارهة. أما نحن؟ فما زلنا نبحث عن شمعة، حرفيًا ومجازيًا.
كم تبدو الحياة سخيفة عندما يتحول الأمل إلى وهم. نحن لا نطالب بالكثير، فقط بقليل من الإنسانية. أن تكون أموال الشعب للشعب، لا لتلك الحيتان التي لا تشبع. لكن يبدو أن هذا المطلب مستحيل، في وطنٍ يحرم علينا حتى الحق في الفرح.