تعود محافظة الحديدة المطلّة على البحر الأحمر، إلى واجهة المشهد اليمني من جديد، مع تصاعد التحشيد والاستعداد العسكري المتبادل بين القوات الحكومية والحوثيين، تحضيرا لمعركة أخرى محتملة، تهدف إلى استعادة المحافظة الاستراتيجية من قبضة الميليشيا، وإعادة ترتيب موازين القوى العسكرية في البلاد.
ومع قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة، كثّفت ميليشيا الحوثي من استعداداتها لتحصين دفاعاتها العسكرية حول الحديدة، التي تمثل شريانها المالي ومنفذ اتصالها البحري الوحيد مع العالم، فضلا عن أهميتها العسكرية بعد أن حولتها الميليشيا إلى قاعدة لانطلاق هجماتها البحرية ضد السفن.
استنفار وتهجير
وقالت مصادر عسكرية يمنية لـ”إرم نيوز”، إن ميليشيا الحوثي، رفعت حالة الاستنفار العسكري في محافظة الحديدة الخاضعة لسيطرتها، إلى مستويات قصوى منذ أواخر الأسبوع الماضي، وسط جملة من الانتهاكات بحق المدنيين من سكان القرى والبلدات التي تشهد تحركات واستحداثات عسكرية، جنوب وغرب المحافظة.
وذكرت المصادر، أن الحوثيين خلال اليومين الماضيين، هجّروا مئات العائلات من سكان القرى النائية بمديريتي الدريهمي والجراحي بالحديدة، وأجبروهم على النزوح من مساكنهم ومناطقهم التي حولتها الميليشيا إلى مناطق عسكرية، لتشييد خطوط دفاعية تجاه البحر في مديرية الدريهمي، وفي الأطراف الجنوبية من مديرية الجراحي، على مناطق التماس مع القوات اليمنية المشتركة المناهضة للحوثيين، جنوبي الحديدة.
وبحسب المصادر، فإن الميليشيا تعمل منذ أسابيع على استحداث خنادق وسواتر ترابية في مديريتي التحيتا والجراحي، وعلى بعد أقل من 10 كيلو مترات من خطوط التماس مع القوات المشتركة، قبل أن تقوم أخيرا بإرسال تعزيزات عسكرية ثقيلة إلى تلك المناطق، تحسبا لانطلاق عملية عسكرية.
من جهتها، قالت المدافعة عن حقوق الإنسان، إشراق المقطري، إن عشرات السكان من الرجال والنساء والأطفال، أجبروا من قبل الحوثيين على ترك منازلهم في “الكعدة” جنوبي الجراحي إلى مناطق متفرقة، تاركين خلفهم مواشيهم ومزارعهم ومنازلهم، متوجهين إلى الشتات والتشرد والفقر، وفق تعبيرها.
وأضافت في تدوينة على منصة “إكس”، أنه بات من الواضح “أن المنظمات الإنسانية والحقوقية والمتابعين لملف اليمن، لا يزالون بعيدين عن المشهد، فيما يمارس الحوثيون إجراءاتهم دون أي حساب لسلامة وكرامة الناس”.
وكشفت منصة “ديفانس لاين” المحلية، المتخصصة في الشؤون الأمنية والعسكرية، الثلاثاء الماضي، عن تحصينات وأنفاق وملاجئ أرضية، استحدثها ميليشيا الحوثي في مدينة الحديدة، مركز المحافظة، شملت مطار الحديدة الدولي والقاعدة الجوية القريبة منه، إضافة إلى المقرات والمؤسسات التعليمية المجاورة للمناطق السكنية، وصولا إلى كلية الطب وملعب نادي الهلال الرياضي.
تحركات عسكرية وسياسية
في المقابل عززت القوات الحكومية ممثلة في القوات المشتركة، بتشكيلاتها المختلفة، من جاهزيتها القتالية ودفعت بتعزيزاتها العسكرية على امتداد مناطق التماس جنوبي محافظة الحديدة.
وتمكنت القوات المشتركة أواخر الأسبوع الماضي من التصدي لمحاولتين هجوميتين من قبل الحوثيين، نحو مناطقها في قطاع “الحيمة” الساحلي بمديرية التحيتيا، جنوب غرب الحديدة.
يأتي ذلك، وسط تحركات دبلوماسية خارجية للحكومة الشرعية لحشد الدعم الدولي، ومساع حثيثة من مجلس القيادة الرئاسي، لترتيب المؤسسة العسكرية وهيكلة القوات المسلحة وتوحيد التشكيلات العسكرية والأمنية التي أفرزها الصراع المحلي، وإعادة تنظيمها تحت إطار وزارتي الدفاع والداخلية، طبقا لتقارير محلية.
مخاوف من دعم أمريكي
ومنذ أواخر أكتوبر الماضي تتصاعد مخاوف الحوثيين من عملية عسكرية واسعة تقودها الولايات المتحدة بالتنسيق مع القوات الحكومية، نحو محافظة الحديدة، تستهدف إبعاد سيطرتهم على سواحل البلاد الغربية، المشرفة على مياه البحر الأحمر، في ظل تصاعد هجماتهم العسكرية ضد ممرات الملاحة الدولية.
ونفّذ الحوثيون قبل نحو أسبوعين، مناورة عسكرية “تكتيكية” برية وبحرية، في سواحل الحديدة، تحاكي تصديها لهجوم بحري ومواجهة إنزال أمريكي في سواحل الحديدة.
وعقب فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالانتخابات، تتعزز مخاوف الحوثيين من تغيّر تعاطي واشنطن مع عملياتهم العسكرية ضد السفن التجارية والمهددة للتجارة العالمية، خاصة بعد تصنيفه أثناء فترة ولايته الأولى كـ”جماعة إرهابية أجنبية”، وسياساته المناهضة لإيران وأذرعها في المنطقة، فضلا عن تعامله الحازم في رعاية المصالح الأمريكية.