الى الروح التي استعجلت صعودها.. إليك يا مهجة القلب.. إليك يابنتي نوف.. اكتب في وداعك اليوم وفي القلب وجعا فاق الوجع، والكبد مفتتة تذروها رياح الحنين.. اااه يانوف.. ما اقساه من موت، ما اقساه وهو ينتزعك انتزاعا فجاءة قبل أوانك.. كيف وجدت تلك الرصاصة الطائشة جسدك النحيل؟! كيف لها ان تستقر في قلبك الذي لم يعرف الا المحبة؟! كيف لها ان تقتل تلك الابتسامة والبراءة والطموح؟! الومها ولا الومها.. الومها ان ضلت الشجر والحجر والسهل والجبل رغم سعتهم لتستقر في قلبك الصغير، ولا الومها لأنها ادركت ان لا مكان بالدنيا له سعة هذا القلب الصغير وبراءته وحنيّته ليكون مستقرا لها..
لقد كنتي شيئا استثنائيا رغم سنوات عمرك العشر الا ان عقلك وفطنتك وطموحك تجاوز عمرك بسنوات.. لقد ضاق الفضاء يا رائدة الفضاء.. ذلك الفضاء الكبير الذي حلمتي يوما ان تكوني فيه “رائدة فضاء”، ضاق عليك يانوف وصَغُر، فمقاس براءتك ونقاءك وطموحك كان اعظم واكبر.. ضاق علينا الفضاء بما رحب نحن من ودعناك الوداع الأخير.. لكن لا محالة ستتسع لك وتفرح بك جنة عرضها السموات والأرض.. وستتسع لنا نحن من ودعناك رحمة ربك التي وسعت كل شي..
ابنتي.. سويداء كبدي.. في لحظات كان قلبي يترقّب نظرات الممرضة وهي تبحث عن نبضات قلبك وتنظر في موقع اصابتك.. رغم يقيني انك قد فارقتي الحياة الا ان قلبي كان لا يزال على املٍ ان هناك نبضة تجيد الاختباء خلف ضلوعك كما كنتي تتقني الاختباء خلف الباب محاولةً اخافتي عند الدخول.. لكن مات الأمل سريعا؛ وانا أرى في عيني ممرضتك موتك وهي تنظر اليّ بصمت شففة لتتبعها قائلة “عظم الله اجرك”.. مخيفةٌ هذه اللحظة، مفجعةٌ ومرهبةٌ وتزلزل الوجدان.. أسودّت الدنيا امامي، لم استوعب ما يحدث فالأمر كان اشبه بالخيال، لكني سلّمت امري لله فضممتك في البداية مكابرا متصبّرا ثم انهارت قواي فضممتك باكيا بكاء ثكل وفقد..
ابنتي.. يا أمان روحي وبسمتها.. ما اجمل ان يضع الله محبتك في قلوب الناس.. فهي مكافئة دنيوية قبل مكافئتك في آخرتك، مكافئة لا يظفر بها كل البشر، لكنك ظفرتي بها.. لم يكن موتك سببا في حزن ابيك وامك واهلك فقط.. بل كان سببا في حزن كل من عرفك ومن لم يعرفك.. بعد موتك لا اعرف كيف اشرقت الشمس وهي لن ترى ابتسامتك؟ كيف دارت عقارب الساعة لتعلن عن يومٍ جديدٍ بدونك؟!
احتضنتك مودّعا.. قبّلتك القبلة الأخيرة وددت لو تطول لعلها تعيد لك دفق الحياة التي سُلبت منك دون ذنب.. لم اتخيل يوما يابنتي انني سأوسدك بيدي في منزلك البرزخي.. في لحظات كنت فيها اوسد معك قلبي وكل محبة للحياة.. لم اتخيل فاجعة الموقف ورجفة اليدين وانا احاول فك رباطات كفنك.. وفي وقت يهلون عليك التراب كان في قلبي صدى صوتٍ يتردد ” رفقا بها فجسدها اضعف من ان يحتمل”.. لكنها ارادة الله..
ابنتي.. يا حبة قلبي المضيئة.. سيفتقد اباك الى الأبد تلك الابتسامة الممزوجة بالفرح التي تباشريني بها وانتي تستقبليني على الباب مرددة “حيا بك.. حيا بك”.. ستختفي من حياتي كلماتك التي تردي بها علي اذا طلبتك شيئا ” ابشر يا طويل العمر”.. سأشتاق لقولك اذا لبيت طلبك ” شكرا يا احسن أب في العالم”.. سأفتقد ضمتك الصغيرة التي كنتي تحاولي ان تحتويني بها كل ليلة قبل نومك قائلة ” تصبح على خير يا بابا”..
رحمك الله يا نوف.. واسأله تعالى أن يفرغ علينا صبرا بحجم مصابنا فيك، وان يجعلك شفيعةً مشفعةً لنا..