الجمعة , 22 نوفمبر 2024
القمندان نيوز / كريم شفيق كاتب مصري
رغم أنّ سلوك الحوثي تجاه الأطفال، واستهدافهم في عمليات التجنيد والتعبئة، ليس أمراً جديداً أو مباغتاً، لكنّ استمرار الزجّ بهم في جبهات القتال، يثير مخاوف جمّة، خاصة مع الاستعانة بهم، مؤخراً، في الخطوط الأمامية لدعم العناصر الميليشياوية خلال الهدنة التي توسّطت فيها الأمم المتحدة، منذ نيسان (أبريل) الماضي.
هدنة هشّة
وفيما يبدو أنّ الهدنة التي وصفها مبعوث الأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، بأنّها “هشّة”، تواجه معضلات متفاوتة، بسبب التوترات المستمرة، والحاجة إلى انخراط سائر الأطراف في عملية سياسية شاملة ومستدامة. وقال غروندبرغ إنّ “الحلول المؤقتة لا تفضي إلى سلام”، كما أشار إلى أنّ الهدنة “منحت الشعب فترة استراحة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ النزاع، ووجهة النظر هذه تمنحنا مجالاً ومتنفساً للانخراط في تسوية سياسية”.
تقارير الأمم المتحدة وثّقت وقائع عديدة دانت من خلالها استغلال الأطفال في الحرب اليمنية، بينما كشفت توقيع التنظيم المدعوم من إيران على “خطة عمل” لإنهاء استخدام الأطفال
في النزاعات المسلحة، ومنع تجنيدهم، فضلاً عن قتل الأطفال أو تشويههم، ومهاجمة المدارس والمستشفيات، وذلك بالتزامن مع الإعلان عن الهدنة.
ورأت فيرجينيا غامبا، المسؤولة العليا في الأمم المتحدة المعنية بالأطفال في مناطق الحرب؛ أنّ استجابة الحوثيين لمنع تجنيد الأطفال “خطوة إيجابية ومشجّعة، إلا أنّ أصعب جزء من الرحلة يبدأ الآن”، كما طالبت بضرورة ” تنفيذ خطة العمل بالكامل، وأن تؤدي إلى إجراءات ملموسة لتحسين حماية الأطفال في اليمن”. ووفق الأمم المتحدة، فقد تم التحقق من تجنيد نحو 3500 طفل، ونشرهم في الحرب الأهلية اليمنية، كما قتل أو شوّه أكثر من 10200 طفل.
المقلق ليس فقط الزجّ بالأطفال في العمليات العسكرية؛ بل تغذية عقولهم البسيطة بالأفكار المتطرفة، وتعبئتهم بخطاب الكراهية والعنف، بالتالي، خلق مشاريع تطرّف مستقبلية قد لا يمكن السيطرة عليها
في الفترة بين مطلع عام 2020 ومنتصف العام الماضي؛ كشف تقرير للأمم المتحدة أنّ قرابة “2000 طفل يمني جنّدهم الحوثيون، لقوا حتفهم في ساحة القتال”، وتابع: “كانت أعمارهم بين 10 و17 سنة، وقُتل عدد كبير منهم في عمران وذمار وحجة والحديدة وإب وصعدة وصنعاء”.
الأطفال في محارق الموت وبينما وثّقت عدة منظمات حقوقية، محلية وأجنبية، اعتماد التنظيمات المدعومة من إيران، في سوريا واليمن، على الأطفال في صفوفهم، بل وتدريبهم على حمل السلاح وزرع الألغام، فضلاً عن استخدامهم دروعاً بشرية، فإنّ اعتراف قادة حوثيين لوكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية بتجنيد الأطفال، مخالفة للأعراف والقوانين الدولية، وكذا الاتفاق مع الأمم المتحدة، جدّد المخاوف بشأن تداعيات هذه الممارسات العدوانية التي تضع الأطفال في محارق الموت اليومية، بما يفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويؤدي لإطالة أمد الحرب.
ونقلت الوكالة الأمريكية عن قادة حوثيين قولهم؛ إنّ التنظيم جنّد “عدة مئات من الأطفال، بمن فيهم أطفال لا تتجاوز أعمارهم 10 سنوات، خلال الشهرين الماضيين”، وبرروا ذلك بأنّهم “لا يرون أيّ خطأ في هذه الممارسة، بحجة أنّ الأولاد من 10 إلى 12 يعدون رجالاً”، كما أنّ “هؤلاء ليسوا أطفالاً”. وقال أحد القادة “إنّهم رجال حقيقيون، يجب أن يدافعوا عن أمتهم الإسلامية”.
“المراكز الصيفية” أو “المخيمات الصيفية”؛ مسميات مرتبطة بالمعسكرات الحوثية التي تقام فيها دورات ثقافية بهدف تمرير أفكار وسياسات طهران الأيديولوجية من خلال وكلائها المحليين، فضلاً عن نقل خبرات عسكرية مختلفة للأطفال، وهذا يعكس ما هو أبعد من مجرد نشاط تكتيكي للتصعيد الميداني، وسدّ العجز في صفوف الحركة المسلحة، حيث يرى الصحفي اليمني، هشام طرموم، أنّ جماعة الحوثي “جماعة ميليشياوية يقوم فكرها على الطائفية والسلالية، وهي جماعة مقاتلة مستمرة في الحرب منذ تأسيسها وحتى اللحظة، أي أنّها جماعة حرب وقتال دموي”.
المحلل السياسي اليمني نبيل البكيري لـ “حفريات”: المراكز الصيفية معسكرات للتدريب العسكري والتلقين الطائفي للأطفال، تهدف إلى تأهيل الأطفال للمعركة القادمة التي تستعدّ لها هذه الجماعة
ووفق طرموم، في حديثه لـ “حفريات”؛ فإنّ هذه الجماعة المدعومة من طهران دشّنت ما تعرف بـ “مراكز صيفية”، بغية “غسل عقول” الأطفال، وزرع ثقافة طائفية تحريضية، حتى تتمّ تهيئة مجموعات منهم للقتال في الجبهات المسلحة.
صناعة الطائفية
ومنذ سيطرتها على العاصمة اليمنية، صنعاء، عمدت الميليشيات الحوثية إلى استهداف التعليم، وضرب العملية التعليمية، من خلال اختطاف بعض المعلمين، وقتل البعض الآخر، فضلاً عن تحويل بعض المدارس إلى معسكرات وسجون، وفق الصحفي اليمني، ما يؤكّد استهدافها للتعليم، وأنّها تريد جيلاً غير مؤهل سوى لأهدافها الدموية والقتالية.
يتفق والرأي ذاته، المدير الإقليمي للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أنس جرجاوي، والذي سبق أن حذّر من أنّه “لا ينبغي على الأمم المتحدة التساهل مع تجنيد جماعة الحوثي للأطفال على نطاق واسع في اليمن، فهذه الظاهرة الخطيرة يجب أن تتصدر سلم الأولويات في المناقشات الدورية بين وفود الجماعة وممثلي الأمم المتحدة في اليمن”.
وتابع: “المقلق ليس فقط الزجّ بالأطفال في العمليات العسكرية؛ بل تغذية عقولهم البسيطة بالأفكار المتطرفة، وتعبئتهم بخطاب الكراهية والعنف، بالتالي، خلق مشاريع تطرّف مستقبلية قد لا يمكن السيطرة عليها بالنظر إلى العدد الضخم الذي تجنّده الجماعة، أو تستهدف تجنيده في المستقبل”.
واللافت أنّه في أعقاب نشر تحقيق الوكالة الأمريكية الذي حمل اعتراف (وتبرير) مباشر للحوثي بتجنيد الأطفال، تمّ تداول تغريدة قديمة من حساب وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، ترافقها صورة لطفل يحمل السلاح في صفوف الحوثي. وجاء في تغريدة عبد اللهيان: “لعبة الرياض الجديدة في اليمن مصيرها الهزيمة. أنصار الله والمتحالفون معهم هم الجزء الأكثر فاعلية في المقاومة والحل السياسي”.
إذاً، تجنيد الأطفال هو “مسار إستراتيجي وعملية دائمة” في العقل السياسي والعسكري للحوثي، منذ البدايات، وفق المحلّل السياسي اليمني، نبيل البكيري، موضحاً لـ “حفريات”؛ أنّ ذلك الأمر ليس وليد اللحظة “لكنّه، ربما، سجّل ارتفاعاً ملحوظاً في الوقت الراهن. والحوثي، في حقيقة الأمر، منذ التأسيس أسس المراكز الصيفية والمعسكرات للتأثير على الأطفال من خلال العملية التعليمية والمناهج. وهذه المراكز موجودة منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، وكانت الدولة تغضّ الطرف عنها حتى وصلنا لمرحلة الحرب والقتال، ومن ثم، إسقاط الدولة اليمنية”.
ويلفت البكيري إلى أنّ “المراكز الصيفية”، وهي معسكرات لـ “التدريب العسكري” و”التلقين الطائفي” للأطفال، تهدف إلى “تأهيل الأطفال للمعركة القادمة التي تستعدّ لها هذه الجماعة، وقد وجدت في الهدنة فرصة ذهبية لترتيب صفوفها، وهي الآن تجنيد آلاف الأطفال وحشدهم لهذه المعركة”
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 19, 2024
نوفمبر 17, 2024
نوفمبر 11, 2024