أثرت المقاهي الشعبية في اليمن الثقافة والتاريخ والسياسة، وألهمت الأجداد للانتصار للثورة وقيم العدل ودحر ظلام حكم الكهنوت.
ولم تكن المقاهي الشعبية مجرد أماكن لقتل الوقت وإنما منابر وأندية لتبادل الفكر والسياسة والثقافة لعامة الناس بمختلف مشاربهم في عديد المدن اليمنية عبر التاريخ.
من بين هذه المدن اليمنية كانت المخا حاضرة البلاد على البحر الأحمر والتي كانت للمقاهي الشعبية فيها رمزيات ودلالات. في زمنها الثوري والثقافي امتدت لترفد ثورتي الـ26 من سبتمبر 1992 ضد الإمامة و14 أكتوبر 1963 ضد الاحتلال البريطاني وما زالت تقود ذات الوعي ضد الإمامة الجدد من الحوثيين وحلفائهم من التنظيمات الإرهابية.
وظيفة المقاهي
تقدم المقاهي الشعبية لروادها تبادلا ثقافيا وتاريخيا وسياسيا. ومثّل مقهى “السروري” ملتقى تنويريا ارتكز عليه مجتمع المخا بعد ثورة سبتمبر المباركة لالتقاء الثقافات المصرية واليمنية.
وافتتحت بجوار المقهى سينما المخا، فكانت تمتزج نقاشات الفن والثقافة بما توفره السينما من أفلام سينمائية هادفة.
يقول المواطن اليمني محمد العسيلي وهو في العقد السابع من العمر، إن يرتاد مقهى “السروري” منذ الثمانينيات من القرن الماضي وكان شابا يعمل في ميناء المخا، ويرتاد السينما بعد شربه لكأس القهوة.
أما الناشط اليمني عبدالعليم صائم الدهر فقال إن المقاهي الشعبية في المخا تعد من الأشياء الجميلة والمتوارثة كون إحدى مهماتها الأساسية الترويح عن النفس بعد عناء يوم شاق.
ويشير الناشط اليمني إلى أن المقاهي الشعبية تكاد تندثر ليس في المخا وإنما في عامة مدن اليمن حيث لم يتبق منها إلا القليل وما زالت بالفعل ملتقى للأصدقاء والأجداد.
صخب لافت
وبحسب مؤرخين فإن المقاهي الشعبية في المخا اليمنية، رغم بساطتها إلا إنها قدمت لروادها، الفن والثقافة والنضوج السياسي لمناقشاتهم قضايا الثورة والنضال ودور العلم لمحو الأمية والتخلف الذي تركه الحكم الإمامي البائد.
من هذه المقاهي الشعبية في المخا، كانت مقهى “السروري” الذي تأسس عقب الثورة اليمنية في ستينيات القرن الماضي، وكان حضرا بقوة في قلب الثورة لارتياده من ضباط الجيش المصري ومسافرين وربابنة سفن تجارية ومعلمين عرب قصدوا اليمن ومدارسها.
وكان المقهى منبرا ثوريا ضد حكم نظام الإمامة والتخلف، وتبادل الثقافات العربية التي سبقت اليمن في التحرر من الاستعمار.
ومن أبرز هذه المقاهي أيضاً “الزطي”، “الذئب”، “الشجرة” و”أبو سمير”، الذي كان يرتاده الصيادون والعمال والزوار لقربه من سوق الأسماك وميناء المخا التاريخي.
ولم يغب الصيادون عن المقاهي الشعبية قديماً أو حديثاً، فشرب كأس من الشاي في هذه المقاهي يقرب شرائح مجتمعية عدة من بعضها البعض.