السبت , 23 نوفمبر 2024
كتبه د/ عبدالمجيب حسين مثنى
منذ ثلاثة عقود بالوفاء والتمام، والجنوبيون يخوضون معركتهم النضالية التحررية لاستعادة دولتهم التي سلبت منهم تحت خديعة وحدة مشؤومة كأشأم ثمود، لم يجنوا منها سوى الحروب والويلات وأصناف العذاب والعقاب، وحدة باتت كوجه الغراب، لم يروا فيها ما يسر ويسعد، مع احترام هذا الطائر الذي علم البشرية كيف تواري سوءاتها، بعكس وحدتهم التي علمت وحوشها البشرية ارتكاب السوءات السافرة، من غير مواراة ولا ستر ولا تستر.
وبعد هذا الدرب النضالي الطويل للجنوبيين، هاهم اليوم على بعد خطوة واحدة من إنجاز هذا المسار، وإعلان النصر المبين، بتحقيق الهدف الذي لطالما ضحوا من أجله، وقدموا في سبيله كل غال ونفيس.
صار الجنوبيون قاب قوسين أو أدنى من استعادة دولتهم، وما كان هذا ليحدث لولا نضج الوعي الشعبي من جهة، وسلامة النهج السياسي من جهة أخرى، اللذين التحما معا ليشكلا القاعدة الأساسية الصلبة التي ترتكز عليها أعمدة مشروعهم الوطني.
فلأول مرة منذ عشرات السنين -وربما أكثر- نجد ذلك التناغم الواعي بين القمة والقاعدة، في هرم المسار التحرري.
رأينا شعبا يلتف حول قيادة طال انتظارها تستطيع أن تلبي طموحاته، قيادة لا تعرف مساومة أو مزايدة على هدف استعادة الدولة، وفي المقابل رأينا قيادة وجدت شعبها عند مستوى الوعي الكافي لما يعترض طريقها من ألغام وصعوبات ومكائد سياسية، تحاك بمنتهى الخباثة من أطراف ليست بالقليلة ولا بالضعيفة، ويعي تماما حجم المؤامرات التي تحاك لفك التلاحم الأسطوري بينه وبين قيادته السياسية.
لقد تبلور هذا التناغم الكبير بين الوعي الشعبي والنهج السياسي، بصورة واضحة منذ تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي حمل على كاهله – بثقة مطلقة – عبء المطلب الشعبي المعقد المتمثل باستعادة الدولة.
ومنذ تأسيس المجلس الانتقالي في العام ٢٠١٧م، فقد حقق انتصارات كثيرة، وقطع شوطا كبيرا في هذا المضمار، وخطا خطوات جريئة مثلت نقلات حقيقية ونوعية، بشهادة العدو قبل الصديق.
إن هذه الانتصارات ما كانت لتحدث لولا الالتفاف الشعبي حول قيادته السياسية، ذلك أن نجاح القضايا الوطنية الكبرى وقضايا الشعوب ما كان له أن يتم لولا أن هذه القضايا أخذت تسير في خطين متوازيين غير متقاطعين: وعي شعبي، ونهج سياسي يتعاطى بكفاءة ومرونة مع ما يستجد من تطورات وأحداث، وكل خط منهما يستمد قوته في مساره من الآخر وتربطه به علاقة طردية دائمة، وعلى هذا سارت القضية الجنوبية، بل وهنا يكمن سر نجاحها حتى الآن.
لا أحد ينكر ما آلت إليه الحالة المعيشية القاسية للمواطنين، وانهيار المنظومة الخدمية لحياتهم، وهي من ضمن الأوراق التي راهن عليها أعداء الجنوب، لضرب التلاحم الشعبي – السلطوي الجنوبي، وبكل تأكيد فهي ورقة آيلة للاحتراق، مثلما احترقت أوراقهم السابقة التي تساقطت كأوراق الخريف، ولكنها احترقت بنار الوعي الشعبي، ولم يفلحوا في ذلك.
اليوم تتفاوض قيادتنا السياسية بشأن هذا الملف، وعلى ما يبدو أنها سترمي بكل ثقلها لحلحلته، بعد أن نجحت في تجاوز كثير من القضايا السياسية والعسكرية، ولا مناص الآن من التوجه نحو تحسين الحالة المعيشية للمواطنين، لا سيما أن الانتقالي يمتلك – أكثر من أي وقت مضى- كثيرا من الأوراق التي تعزز وضعه التفاوضي، وبها يستطيع أن يفرض رأيه على طاولة المفاوضات أو على أرض الواقع.
أخيرا، ما هو مطلوب اليوم، هو استمرار ذلك الزخم الشعبي في فهم الواقع ومتطلباته، فلم يبق إلا القليل للخطوة الأخيرة، وهي الخطوة التي ينبغي أن تكون أكثر اتزانا ودقة وفهما لما ستخطو إليه، لأنها تمثل لحظة الانتقال المباركة لتجلّي البرزخ المعهود، والفردوس المفقود.
وإن غدًا لناظره قريب!
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 20, 2024
نوفمبر 20, 2024