بعد المكاسب السياسية اللافتة التي حققها الجنوبيون مؤخرا، وتحديدا بعد اللقاء التشاوري الجنوبي الجامع الذي عقد في العاصمة عدن، في شهر مايو الماضي، الذي أسهم كثيرا في ترسيخ وحدة الصف الجنوبي، وتمخض عنه الميثاق الوطني الجنوبي، وانضمام قيادات جنوبية كبيرة لصفوف الانتقالي، ثم انعقاد دورة الجمعية الوطنية في محافظة حضرموت، وحضور القيادات الجنوبية، وإقرار هذا الميثاق رسميا. كل هذه الإنجازات والمكاسب السياسية الجديدة والمهمة جعلت كثيرا من إخواننا في الشمال يجن جنونهم، فزاد صراخهم وبكاؤهم عن الجنوب وعن الوحدة، حتى وصل أولائك المتباكون إلى حال لا يحسدون عليها، وأصبح بكاؤهم هذا يثير السخرية من أشقائهم في الجنوب، بل وفي الإقليم والعالم، حينما يرتفع صوت صراخهم وعويلهم يبكون أرض الجنوب التي تحررت بفضل الله ثم بفضل دماء خيرة شبابها الذين دافعوا عن الدين والأرض والعرض دفاع الأبطال الأوفياء، حتى حرروا أرضهم من الغزو الحوثي، وعادت لسلطة أهلها الشرعيين. يبكون الجنوب في الوقت الذي كان يفترض عليهم أن يسخروا هذا الصراخ لبكاء الشمال – لا لتحريره – لأنهم ما زالوا لم يؤمنوا بعد بقيمة الحرية حتى الآن. تحرر الجنوب فبكوه، وخضع الشمال للحوثي فباركوه، أو قل فتجاهلوه – في أحسن الأحوال – ودفن الحوثي جمهوريتهم فآمنوا بوأدها، وشاركوه دفنها، وذهبوا يصرخون ويبكون ضياع جمهوريتهم الوحدوية في الجنوب، وكأن الجمهورية الإفلاطونية الفاضلة قد تجاوزت فضاء الزمان والمكان الأثيني لتحل مجددا في شمال اليمن، فتهافتوا كذبابة صيف يبكون ضياع الجنوب بصورة تثير الشفقة والاشمئزاز والسخرية معا. صحيح هناك أصوات شمالية شريفة منصفة، بدأت تجلجل بصوت الحق، ولا يهمها في قوله لومة لائم، ولكنها غير كافية، وهي الأصوات التي ستؤسس لعلاقات حسن الجوار بين الشعبين مستقبلا، بل إنها الأصوات الشجاعة التي يتوقع أن تدوي منها – بإذن الله – صرخة الحرية المنتظرة للشماليين التي ستجتث صرخة العبودية الحالية، وهي الصرخة التي ما زالت تهز الشمال طولا وعرضا. وفي الحقيقة، لا يمكن أن نفسر ذلك الإصرار على التباكي إلا لأسباب يرونها موضوعية، ويراها الجنوبيون أسبابا غير شريفة، منها:
خوفهم من طي نظام الفيد والسلب والنهب لثروات الجنوب، الذي شرعنه نظام الاحتلال بعد غزو الجنوب في صيف عام ١٩٩٤م.
أنانيتهم المفرطة من أن يستقر حال الجنوب، بينما هم يعيشون حالة مخيفة من الشتات والتشظي وعدم الاستقرار، وهم في هذا يتماهون تماما مع المقولة الأنانية:(عليّ وعلى أعدائي).
ركوعهم للحوثي وقبولهم استعباده واستبداده، وعدم امتلاكهم الجرأة والشجاعة لمقاومته والقضاء عليه، ومن ثم سيجدون في الجنوب متنفسا لهم للهروب من بطش سيدهم الإمام المعجز. وهي أسباب يراها الجنوبيون غير أخلاقية وغير شريفة، مما يتولد لديهم مزيد من الإصرار والقناعة الراسخة بضرورة المضي قدما نحو مشروع استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة على حدود ما قبل ٢٢ مايو من العام ١٩٩٠م، نظرا لفشل الطرف الآخر في تبرير منطقية البكاء عن وحدة ذهبت أدراج الرياح. فمشرع أبناء الشمال الوطني يختلف تماما عن مشروع الجنوبيين، وأن الشعبين في أساسهما شتّان لا يتوافقان، وحريّ للباكين أن يبكوا وطنهم المفقود، وأن يسعوا لتحريره، لا أن يبكوا وطنا عاد لأهله، وليدعوا الجنوب وشأنه، فقد حسم أمره بكل شرف وشموخ واقتدار.