لا يشكل شهر رمضان الجاري استثناءً في سياق مسلسل هدر الدراما، الذي حافظت عليه معظم القنوات الفضائية العربية، وانضمت إليها مؤخراً منصات البث، بل ربما استمرت الزيادة الكمية في عدد المسلسلات المعروضة.
صحفنا المحلية اعتادت سنوياً تقديم متوسط ساعات الدراما المتاحة على القنوات الفضائية العربية، خلال شهر رمضان، وكانت جميعها في السنوات الأخيرة تشير إلى تقديم ما يتجاوز الـ24 ساعة دراما يومياً، ما يعني أن المشاهد لن يتمكن من متابعة ما يتم عرضه حتى لو واصل ليله بنهاره، هذا إذا ما تجاهلنا أي إنفاق آخر له من وقته، بخلاف متابعة الأعمال الدرامية، بما في ذلك المحتوى المرئي نفسه كالبرامج والمباريات الرياضية وسواها.
التبرير الأساسي الذي كان يتم الدفع به بشكل صريح في هذا السياق كان يدور حول كعكة الأموال المخصصة للإنفاق على الدعاية والإعلانات، وتنافس القنوات على قضم نصيبها، لكن حتى مع تراجع الأرباح المحصلة من الدعاية، فإن كم الدراما لم يتراجع، بل زادت، مدفوعة بتأثير اللاعب الجديد القوي والمهيمن «منصات البث».
القنوات الفضائية العربية مطالبة بتغيير استراتيجيتها الخاصة بشهر رمضان، فالمشاهد أصبح محاطاً بكم يكاد يصبح لا محدوداً من الخيارات، وفكرة ارتباطه بقناة، أو حتى عدد يسير من القنوات تلاشت، وهو الباحث عن ما يناسبه في محيط واسع جداً، في ظل امتلاكه وقتاً محدوداً يمكن أن ينفقه فقط أمام العمل الذي يتمكن من إقناعه، وإثارة شغفه.
نعم عمل واحد فقط جيد، يشكل إضافة حقيقية، ويحمل قيمة فنية تستحق العرض في ذروة موسم المشاهدة، أفضل بكثير من الركض وراء الكم الكبير من المعروض، والحصول على حقوق بث كافة مسلسلات النجوم، لن يوفر التميز لأي جهة، ما دام العمل نفسه يمكن أن يتابعه المشاهد بعيداً عن الحصرية، كما أن أسماء النجوم وحدها قد تحقق نسب مشاهدة عالية في الحلقات الأولى، لكنها لن تمنع هبوطها في سائر الحلقات.
«هدر الدراما» كما أنه لا يحقق تميز القنوات والمنصات، فهو كذلك يمثل خسارة كبيرة للفنان، وأسرة العمل عموماً، حيث تضيع في وسط كل هذا الكم الكبير المهدر، العديد من الأعمال الجيدة، التي كان من المحتمل أن تكون فارقة في مسيرة صانعيها، لو تم التوقف عندها سواء على صعيد المشاهدة الجماهيرية، أو الاهتمام النقدي والإعلامي.
لا توجد أي فوائد للدراما العربية التي تُهدر عبر مسميات وشعارات كثيرة في رمضان، والترشيد أصبح ضرورة ملحة، من أجل صالح جميع الأطراف: جهات البث، وصناع الدراما، وجمهور المشاهدين، الذين بات عليهم بذل مجهود مضاعف من أجل فرز الغث عن الثمين، في عملية صعبة يضيع أثناءها ويتوه جانب من الثمين، من فرط سيطرة نقيضه.