الجمعة , 22 نوفمبر 2024
سوث24 | رعد الريمي
على الرغم من أنَّها أحد الأسباب الرئيسية التي أدَّت إلى إسقاط حكومتين سابقتين، لا زالت الأوضاع الخدمية والمعيشية السيئة للسكان في جنوب اليمن غائبة عن قائمة أولويات المجلس الرئاسي وحكومة المناصفة، لا سيَّما في العاصمة عدن.
وعدا بعض المشاريع والاتفاقات المُعلنة، لم تشهد عدن أي تحسن حقيقي ملحوظ في مختلف الخدمات، وعلى رأسها الكهرباء والصحة. وحتَّى الآن، لم يتم وضع أي حلول أو معالجات لملف مرتبات القطاع المدني الضئيلة، وانقطاعات رواتب الموظفين العسكريين.
وخلال اجتماعات متكررة، افتراضية وواقعية، أكَّد الرئاسي على أنَّ الملف الخدمي والمعيشي في عدن وبقية المحافظات يأتي في مقدمة أولوياته، لكنَّ الكثير لم يتحقق في هذا المضمار في ظل هيمنة الملفات السياسية والعسكرية والإدارية على عمل المجلس.
في هذا التقرير، يرصد “مركز سوث24” الأوضاع الخدمية في عدن، العاصمة الرسمية للبلاد، منذ تشكيل المجلس الرئاسي في أبريل الماضي؛ ويستمع لمسؤولين في قطاعات خدمية متعددة.
الكهرباء
طبقا لمصادر مسؤولة في كهرباء عدن، تحدثت لـ “سوث24″، لم تحدث أي تغييرات إيجابية ملموسة في ملف الكهرباء في عهد المجلس الرئاسي. وحتَّى الآن، لا تتجاوز القدرة التوليدية لكافة المحطات العاملة بالمحافظة 320 ميجاوات، فيما تبلغ الأحمال أكثر من 650 ميجاوات في ذروة الصيف.
وحتَّى مع هذه القدرة التوليدية المنخفضة، تبرز العديد من الإشكالات الأخرى مثل وقود الديزل والمازوت الذي تسبب بخروج 60% من كهرباء مطلع ديسمبر الجاري، لأيام، وهو ما نتج عنه انقطاع التيار لفترات وصلت لـ 8 ساعات مقابل ساعتي تشغيل رغم انخفاض الأحمال خلال الطقس المعتدل.
وتُشكل الطاقة المشتراة من محطات التوليد الخاصة نسبة كبيرة من إجمالي الطاقة المولدة في عدن تصل إلى 135 ميجاوات، فيما لا تزال أكثر من 4 محطات حكومية خارج الخدمة منذ 2015 دون صيانة قد تكلف – وفقاً لمصادر عاملة بالكهرباء – أقل مما تتقاضاه الشركات الخاصة في عدة أشهر فقط، من الحكومة.
وتعتبر محطة الكهرباء جديدة في عدن [محطة الرئيس هادي]، أكبر الحلول المتوفرة للتخفيف من أزمة الكهرباء في عدن أمام الرئاسي، إلا أنَّها حتَّى اليوم خارج نطاق الخدمة عدا التوربين الأول الذي يولَّد 90 ميجاوات فقط من أصل 264 ميجاوات تستطيع المحطة توليدها حالياً إذا تم تشغيلها بشكل كامل.
مُتعلق: كهرباء عدن: فساد رسمي وصفقات مظلمة
ووفقاً لمصادر خاصة، فإنَّ المانع من تشغيل التوربين الثاني المحطة هو عدم قدرة الشبكة الداخلية لتصريف الكهرباء على تحمل مزيد من الإجهاد، في ظل غياب أي أعمال صيانة أو توسعة من قبل الحكومة اليمنية. وسيوفر التوربين الثاني ما لا يقل عن 140 ميجاوات، وفقاً للمصادر.
وفي وضع مشابه لعدن، تواجه محافظات الجنوب الأخرى ذات الإشكالات وأسوأ فيما يخص الكهرباء. وتواجه محافظة الضالع انقطاعات تصل إلى 16 ساعة يوميا في مدينة الضالع، وأكثر من 18 ساعة في الأرياف. كما تنقطع الكهرباء في لحج وأبين لأكثر من نصف يوم، بالإضافة لمحافظة شبوة.
ولا يختلف الوضع كثيراً في محافظة حضرموت، كبرى محافظات الجنوب، حيث تبلغ القدرة التوليدية للكهرباء في مدن الساحل نحو 140 ميجاوات، مقابل احتياج يبلغ 260 ميجاوات في الذروة. وينقطع التيار في محافظة المهرة لفترات متفرقة يوميا بسبب نفاد الوقود وعجز التوليد.
ويعتبر قرار تعيين المهندس مانع بن يمين تعيين وزيراً جديداً للكهرباء، في 28 يوليو الماضي، أحد الإجراءات القليلة التي اتخذها المجلس الرئاسي في هذا الاتجاه. بالإضافة للإعلان عن اتفاقية مع شركة إماراتية، في 21 ديسمبر الجاري، لتزويد العاصمة عدن بمحطة كهربائية شمسية بقدرة 120 ميجاوات.
ووفقاً لـ “وكالة سبأ” [1]، ستدخل المحطة حيز التشغيل في يونيو 2023 القادم، ضمن أكبر مشروع للطاقة النظيفة في البلاد. لكن هذا الإعلان ينصدم هو الآخر بكثير من الإعلانات والأخبار المشابهة التي تم تداولها منذ سنوات بخصوص تحسين كهرباء عدن، دون أي أثر ملموس على أرض الواقع.
القطاع الصحي
على مستوى القطاع الصحي، لم يتغير الكثير في عهد الرئاسي، لا سيَّما في العاصمة عدن، عدا مستشفى عدن العام الذي عاد للعمل بدعم سعودي بعد أعمال ترميم وتجهيز استمرت لأشهر، وتوقيع عقد تشغيله في أغسطس بقيمة بلغت 90 مليون دولار. [2]
مدير عام الخدمات الطبية في وزارة الصحة، الدكتور عبد الرقيب محرز، تحدث لـ “سوث24” عن واقع الصحة في عهد المجلس الرئاسي.
وقال المسؤول: “الواقع الصحي حالياً كما هو الحال عليه قبل مجيء المجلس الرئاسي. لم يحدث تحسن كما كنا نتوقع، ولم يحدث أي توسيع في دائرة الخدمات الصحية عدا بعض الجوانب التي تمت إضافتها بجهود الوزارة ودعم المانحين مثل مستشفى عدن العام ومصانع الأوكسجين بالمحافظات.”
وأضاف: “كنا نأمل أن يتحسن الأمر بشكل جيد خاصة بعد تشكيل المجلس الرئاسي وعودة الحكومة إلى عدن والعمل على التقليل من سفر المرضى للعلاج بالخارج، على سبيل المثال مرضى الأورام السرطانية من خلال توفير جهاز المسح الذري غير المتوفر حتَّى الآن.”
وأردف: “المستشفيات تعاني من ضعف الموازنات التشغيلية لتغطية احتياجات المستشفيات الأساسية مقارنة مع ارتفاع الأسعار وانهيار العملة. هناك أيضا نقص كبير في الكادر البشري بشكل عام سوء المختص أو الفني أو الإداري والخدمي بسبب عدم اعتماد أي درجات وظيفية منذ عام 2011.”
وفي تقارير سابقة، كشف مركز سوث24 عن الأوضاع الصحية المتدهورة في عدد من محافظات الجنوب، التي لم تتحسن حتَّى الآن وفقاً لمصادر خاصة.
ويهدد غياب الميزانية الحكومية والكادر بإغلاق المستشفى الحكومي الوحيد بمدينة الضالع العامل بدعم من منظمة الصحة العالمية، وفقاً لمدير المستشفى الذي التقاه “سوث24” في وقت سابق. ويواجه المرضى في محافظة حضرموت إشكالات متعددة أبرزها استئثار القطاع الخاص المكلف، وضعف البنية التحتية والبشرية.
مُُتعلق: الضالع: محافظة الحد الأدنى من الخدمات
مُتعلق: المرضى في حضرموت: ضحايا القطاع الخاص بعد توقف الدعم الحكومي
كما يواجه القطاع الصحي بمحافظة شبوة، جنوب اليمن، نقصاً في المعدات والكفاءات والتجهيزات الطبيّة، ما يدفع الكثير من أبناء المحافظة للسفر إلى المحافظات المجاورة أو إلى الخارج لتلقي العلاج. ولا يختلف الحال كثيراً في محافظة المهرة كما تم رصده في نزول ميداني نفذَّه مركز سوث24 في يونيو الماضي.
مُتعلق: شبوة: خدمات صحية متدهورة وأخطاء طبية قاتلة
مُتعلق: المهرة: عندما يجوع الإنسان ويغترب في أرضه
ويعاني السكان في محافظة أبين من نقص الخدمات الطبية، خصوصاً في مناطق الأرياف. وفقاً لمسؤولين صحيين بالمحافظة، تحدثوا لـ “سوث24″، لم تشهد المحافظة أي تحسين صحي في عهد الرئاسي.
وتفتقر محافظة سقطرى أيضاً للبنى التحتية الطبية وخدمات الطوارئ والتوليد وأمراض النساء وخدمات تغذية الأطفال. وتحدث تقرير للبنك الدولي، في سبتمبر 2021، عن عدد من الإشكالات الصحية في الأرخبيل الجنوبي الواقع بالقرب من خليج عدن.
مُتعلق: مستقبل قطاع التعليم في سقطرى: تحديات وآمال
المرتبات
رغم التحسن النسبي في انتظام صرف مرتبات العسكريين خلال الأشهر الأخيرة، لا يزال ملف المرتبات بعيداً عن الحلول الجذرية في جنوب اليمن وسط معاناة إنسانية تتضاعف مع غلاء أسعار الغذاء والسلع الأساسية، وانهيار الاقتصاد.
ويبلغ متوسط الراتب الحكومي للجنود، اليوم، أقل من 60 دولاراً أمريكياً [يتضاعف الرقم حسب الرتبة]، فيما لا يتعدى راتب المعلمين 70 دولاراً في أفضل الأحوال. وخلال العامين الماضيين، توقف صرف مرتبات القطاع العسكري لفترات تجاوزت 7 أشهر في العام الواحد، قبل أن يستقر صرف المرتبات في منتصف 2022 بعد تشكيل الرئاسي.
في المقابل، يواجه المعلمون أوضاعا قاسية نتيجة تدني القيمة الشرائية لمرتباتهم، وهو ما أدى لموجة إضرابات متقطعة استمرت حتى سبتمبر الماضي، قبل أن تعلن نقابة المعلمين في عدن رفع الإضراب وسط وعود برفع قيمة المرتبات وتحسين أوضاع المعلمين.
وكان رئيس المجلس الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، قد حذَّر، في لقاء تلفزيوني في 19 ديسمبر الجاري، من أن الحكومة اليمنية ستواجه، بدءاً من هذا الشهر، عجزاً في صرف المرتبات بسبب توقف الإنتاج النفطي إثر هجمات الحوثيين على موانئ نفطية في حضرموت وشبوة. [3]
لاحقاً، في اجتماع افتراضي للأعضاء، أكَّد الرئاسي التزامه بمواصلة الإصلاحات الاقتصادية والمالية ودفع رواتب الموظفين.
العملة
وتجدر الإشارة إلى العديد من الملفات الأخرى المرتبطة بمعيشة السكان التي لم يتم حلحلتها حتَّى الآن من قبل الرئاسي، مثل انهيار العملة المحلية الذي انعكس على كافة المستويات. وشهد الريال اليمني تحسنا كبيراً تزامناً مع تشكيل الرئاسي والإعلان عن منحة سعودية إماراتية – تحولت لوديعة لاحقاُ – لليمن بقيمة 2 مليار دولار، لتعزيز البنك المركزي.
واستمر هذا التحسن – الرقمي فقط – لمدة 45 يوماً دون أي انعكاس على أسعار الغذاء ومختلف السلع، قبل أن يعاود الريال انخفاضه إلى 1200 لكل دولار أمريكي.
وفي 23 نوفمبر الماضي، أعلنت الحكومة اليمنية عن وصول 1.1 مليار درهم إماراتي من الوديعة السعودية الإماراتية إلى البنك المركزي، بعد أشهر من المفاوضات واللقاءات بين قيادة البنك المركزي اليمني ومسؤولين في السعودية والإمارات. [4]
كما تم توقيع اتفاق على مليار دولار من الدعم السعودي الإماراتي في 27 نوفمبر، بين الحكومة اليمنية وصندوق النقد العربي كجهة فنية. [5]
وحول هذا، قال الخبير الاقتصادي مصطفى نصر لـ “سوث24”: “على الرغم من إعلان البنك المركزي استيفاء كل متطلبات واشتراطات الوديعة المالية السعودية الإماراتية ولقاء قيادة البنك بالرئيس العليمي في 13 يوليو الماضي، بعد ثلاثة أيام فقط من خطاب عيد الأضحى الذي أكد استيفاء المتطلبات، لم تصل الوديعة كاملة حتَّى الآن.”
ومع التصعيد العسكري الأخير من قبل الحوثيين ضد موانئ النفط في جنوب اليمن وتوقف الإنتاج النفطي، يبدو أنَّ الملفات الخدمية والاقتصادية ستتضاعف أمام المجلس الرئاسي، مع تراكمها دون حل.
رعد الريمي
صحفي في مركز سوث24
نوفمبر 11, 2024
نوفمبر 8, 2024
نوفمبر 8, 2024
نوفمبر 8, 2024