بشغف كبير أقبل سعيد هديش مع والده على آلة الحراث لزراعة أرضه، لكنه ما لبث أن وقع في مكامن الموت وتحول إلى طفل معاق بلا قدمين.
وأجهضت ألغام مليشيات الحوثي المدفونة تحت التراب حلم هديش (12 عاما) وأسرته في استصلاح وزراعة أراضي العائلة على خطى الآباء والأجداد الذين عاشوا على ما تجود به هذه الأرض في مديرية حيس، جنوبي محافظة الحديدة، غربي اليمن.
اليوم العالمي للطفل 2022.. بنادق الحوثي لا ترحم براءة أطفال اليمن
ولطالما شعر الطفل اليمني بمرارة البعد في فترة نزوحه إلا أنه استبشر كثيراً بتحرير مزارع وأراضي وادي نخلة الواقعة شرق مديرية حيس جنوبي الحديدة، في عملية القوات المشتركة العام الماضي، عاقدا العزم على أن يعيد الحياة والخضرة إلى أرض أجداده التي أصابها القحط.
مكامن الموت
لم يكن الطفل يعلم أن أعداء الحياة قد استبدلوا الموت بالحياة، ولون الدم والوجع بالخضرة، ولم يتوقع أن إحدى أدوات الموت التي زرعتها الميليشيات الحوثية، تتربص لحلمه الصغير تحت إطار حراثته.
ففي لحظة شرود، نسف انفجار مدوي أحلام الطفول، وأطاح بمقدمة حراثة والده وتعرض سعيد للإصابة والإعاقة بعد ذلك، وتحول إلى مقعد، مع مرارتين، الأولى مرارة إصابته، والثانية مرارة عدم قدرته على العمل في أرضه وزراعتها.
في حديثه لـ”العين الإخبارية”، تمنى هديش أن يعود للمشي على قدميه كي يتمكن من استصلاح أرض أجداده، كما أعرب عن أمله في استعادة حراثته التي دمرت أبان الانفجار الذي وقع منتصف العام الجاري.
معاناة الأطفال
ويعد هديش واحدا من 340 مدنيا غالبيتهم أطفال قتلوا وأصيبوا بألغام مليشيات الحوثي خلال الـ6 شهور من الهدنة الأممية (2 إبريل/ نيسان وحتى 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2022) وفقا لمكتب الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة باليمن.
وأظهرت إحصائيات حديثة للأمم المتحدة، حجم الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال في اليمن، حيث كشفت عن 11 ألف ضحية من الأطفال وأنها تتزايد بوتيرة عالية بسبب حرب مليشيات الحوثي.
ووفقا للأمم المتحدة، فهناك أكثر من 3774 قتيلا من الأطفال، بينهم 984 فتاة، فيما جرح 7245، منهم 1946 فتاة، فيما بلغت أعداد الأطفال المجندين حوالي 4000 آلاف بينهم 91 فتاة.
مآسي لا تنتهي
مأساة سعيد هديش تتشابه إلى حد كبير مع معاناة عبدالله أحمد مهيم الذي شوهت ألغام مليشيات الحوثي جسده وتسببت ببتر أجزاء من قدمه ويده، فضلا عن فقد عينه.
ففي أحد الأيام الحزينة، خرج مهيم (13عام)، مع شقيقه الأصغر للعب قرب المنزل في بلدة “الحيمة” بمديرية التحيتا جنوبي الحديدة لكنه ما لبث أن داس لغما فرديا محرم دوليا ورغم نجاته بأعجوبة إلا أنه فقد شقيقه.
كما فقد عبدالله قدمه ويده اليمنى وعينه ما جعله أسير المنزل طريح الفراش.
ويروي أحمد مهيم والد الطفل اليمني قصة إصابة عبدالله ومقتل شقيقه “نادر” بصوت شاحب متهدج قائلا إن “عبدالله خرج هو وأخوه بدر من البيت من أجل اللعب وإذا بخبر أتانا أن لغما زرعته مليشيات الحوثي انفجر بهما”.
وأضاف “هرعت فور سماع الخبر فإذا بي أرى أحد أطفالي جثة غارقة بالدماء والآخر تحول إلى أشلاء ولم تفارق تلك المشاهد ذاكرتي حتى اليوم”.
ويتساءل الأب المكلوم بحسرة “ما هو الذنب الذي عمله أبنائي ليلقوا هذا المصير الموحش بسبب ألغام مليشيات الحوثي التي زرعت كل المناطق والطرقات وجعلت الأطفال والكبار في مكامن الموت”.
وتقول الأمم المتحدة إن حرب مليشيا الحوثي أفقدت أطفال اليمن المكاسب التي تحققت لهم طوال السنين السابقة ما جعل هذا البلد ضمن أسوأ البلدان للأطفال في العالم.