رحل المقالح الإنسان الذي أحب إنسانية الإنسان دون تمييز لجنس أو لون أو قبيلة أو حزب أو كيان، وليس لسبب إلا لأنه إنسان بالمقام الأول، عرف الإنسانية وقدسها فجسدها بكل صورها طيلة حياته الحافلة بالعطاء أدباً ونقداً وسلوكاً، يجعل من المقام ذكره أن اللسان لا تستطيع أن توصف محامد إنسانيته الممتلئة بالحب النقي، وروحه المترعة بالسلام العفوي، وذاكرته المسكونة بالخير الأخوي لكيان الإنسان وحياته وحريته ومعيشته وأفراحه وآلامه. وهذا الحب الإنساني العظيم الذي جعله منهجًا حياتيًا ومسارًا شعريًا يتحدى به الواقع الممزق لينتزع منه الحب الجمعي الذي يسكنه السلام ولغة التعايش بحيث تكون فيه الناس وعلى وفق مبادئه روحا إنسانية سوية تنعم بالخير وهذا ما قاله وجسده ذات يوم في إحدى قصائده: هاوية مريرة يشتبك فيها السؤال والجواب الوهم والأحلام والوقوف والسفر وفجأة توهج الطريق نادني: كان الناس روحًا واحدًا والأرض منزلًا يسكنه الحب ولا يضيق في رحابه البشر.
وهذا الحب الإنساني الذي اتصف به المقالح الإنسان هو حلم ظلت ذاكرته المتوهجة تزخر به دون توقف، يقول: هنا أول الحلم وجه المسافات يدنو ويقترب النبع في زمن العشق يختلط الماء والنار والشمس والأرض.
لقد كان هذا الحب المسكون بالصدق الروحي هو غاية روح المقالح الإنسان الطاهرة، وآية صدقه التعبيري عن ولائه لتراب وطنه الذي رأى فيه القداسة الأبدية، فجاءت لغته الشعرية التي صاغها شاهدة على إيمانه العميق بعراقة هذا المحبوب الذي يبثه منافذ الرؤيا والاتصال ويتحد فيه حد الحلول، حين قال في قصيدة إلى عيون إلزا: أنتِ ما أبصر الآن ما كنت أبصر بالأمس عيناكِ ضوئي ووجهكِ نافذتي ودليلي إذا سألوني عن أسمي أشير إليكِ وإن سألوني الجواز نثرت علي جسدي وجهكِ العربي المرقع بالجوع أنتِ أنا يتكلم في شفتي صوتكِ الواهن الحرف لا صوت لي صرتي وجهي وصوتي وعين غدي.
رحم الله فقيد الأرض والحب والسلام عبد العزيز المقالح واسكن روحه الطاهرة جنة الخلد.