الجمعة , 22 نوفمبر 2024
القمندان نيوز / كتب – كريم شفيق
ما تزال تسريبات وثائق إريكسون تثير العديد من الأزمات وردود الفعل المتفاوتة، خاصة بعد رفع مئات المواطنين الأمريكيين دعاوى قضائية ضدّ شركة الاتصالات السويدية المتهمة بتمويل الإرهاب عبر تقديم رشاوى مالية لتنظيمَي القاعدة وداعش، للسماح لها بالعمل في العراق.
الشركة السويدية تتكبّد خسائر فادحة
وإثر انتشار التسريبات قامت الشركة بتحقيق داخلي أفضى إلى حدوث خروقات قانونية، في الفترة بين عامَي 2011 و2019، ما تسبّب في تراجع سهم المجموعة المصنفة في المرتبة الثانية عالمياً في مجال أجهزة الاتصالات بنسبة 14%. وقال التقرير الصادر عن الشركة السويدية: “على الرغم من عدم وجود تأكيد قاطع بشأن الرشوة أو مدفوعات التسهيلات أو التمويل غير المشروع المحتمل للإرهاب، إلا أنّ هناك أدلة، مثل رسائل البريد الإلكتروني، تشير إلى تجاوز غير قانوني للجمارك والمرور عبر المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش في العراق”.
ووفق صحيفة “وول ستريت جورنال”؛ فإنّ الدعوى رفعت أمام محكمة في واشنطن من قبل أكثر من 500 من أفراد الخدمة والمدنيين الأمريكيين الذين وقعوا ضحايا لهجمات إرهابية وعمليات احتجاز رهائن بين عامَي 2005 و2021، إضافة لعائلات ضحايا قتلوا خلال الهجمات، موضحة أنّ الدعوى رفعت بموجب قانون مكافحة الإرهاب لعام 1990، والذي يسمح لضحايا الإرهاب بطلب تعويضات في المحاكم الأمريكية، بما في ذلك ضدّ الشركات والأفراد الذين يساعدون الإرهاب ويحرضون عليه.
وتشير الوثائق المسرَّبة إلى أنّ حجم الرشاوى والعمولات التي قدمتها الشركة لتنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين، في العراق، بلغت نحو 37 مليون دولار، فضلاً عن إعطاء المسؤولين هدايا وإجازات.
ونقلت وكالة “رويترز” للأنباء عن شركة سيفيان كابيتل، وهي من أكبر المساهمين في إريكسون، قولها إنّ تصرفات الشركة “غير مقبولة”، حيث قال كريستر جراديل المشارك في تأسيس سيفيان في بيان إنّ “الوضع، كما نفهمه، أنّ وزارة العدل الأمريكية اطّلعت على التحقيق الداخلي في وقت ما يطلق عليه “اتفاق تأجيل المحاكمة”، وخسارة أريكسون 50 مليار كرونة سويسرية من قيمتها السوقية ردّ فعل قوي بشكل مبالغ فيه”.
ردّ إريكسون
وفي آذار (مارس) الماضي، أوضح ملف قضائي بمحكمة المنطقة الشرقية الجزئية في نيويورك، أنّه جرى إدراج شركة إريكسون السويدية للاتصالات ورئيسها التنفيذي وكبير مسؤوليها الماليين في دعوى جماعية رفعتها شركة “بومرانتز” للمحاماة، على خلفية قيام الشركة “بتضليل المستثمرين بشأن تعاملات الشركة في العراق”، وكذا تقديم “بيانات خاطئة ومضللة مزعومة”.
وبينما ألمحت وزارة العدل الأمريكية إلى أنّ الشركة السويدية لم تكشف، بصورة كاملة، تفاصيل عملياتها في العراق، وذلك في انتهاك، واضح ومباشر، لاتفاقية مبرمة عام 2019 تسمى اتفاقية “تأجيل المقاضاة”؛ فإنّ ناطقاً بلسان الشركة أكّد في بيان مقتضب على أنّه تم إدراج الشركة و”مسؤولين معينين” بها كمتهمين بشأن “بيانات خاطئة ومضلّلة مزعومة” فيما يخص أنشطتها في العراق. وبموجب بنود اتفاقية عام 2019، دفعت إريكسون أكثر من مليار دولار لحلّ سلسلة من تحقيقات الفساد تشمل قضايا رشوة في الصين وفيتنام وجيبوتي، ووافقت على التعاون مع الوزارة في التحقيقات الجارية.
تعدّ شركة إريكسون بمثابة مظلّة للشركات الأمنية الخاصة التي تمّ استبدالها بشركات الجيش الأمريكي الأمنية لتخفيض العبء عن الجيش في مناطق الصراع، خاصة في العراق، وفق الدكتور كمال الزغول الباحث المتخصص بالشأن الأمريكي، الذي أوضح لـ “حفريات”؛ أنّه تمّ الانسلاخ عن شركات الجيش بقرار من وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد، والذي اعتمد على شركات خاصة أمنية في الفترة بين عامي 2001 و 2006.
وبدأت هذه الشركات بالتعامل مع شركات تجارية وشركات اتصالات، مثل إريكسون، وهذا أعطى مجالاً واسعاً للشركات التجارية، وكذا شركات الاتصالات لاستغلال ساحات الصراعات في العالم في تحقيق أغراضها، حسبما يوضح الزغول، وقد حققت مصالحها، فعلاً، عبر إيجاد (connections)؛ أي وسائط اجتماعية وتنظيمية ميليشاوية أدّت في النهاية إلى كسب المال السريع في ظلّ حكومات انتقالية مستجدة في مناطق الصراع، الأمر الذي نجم عنه وقوع كثير من الضحايا بغض النظر عن جنسياتهم.
مظلة للشركات الأمنية الأمريكية
ويردف: “بالنسبة للضحايا الأمريكيين، أعتقد أنّ التحقيقات قد تفضي إلى تعويضات مادية، أكثر من صدور أحكام جنائية؛ لأنّ تشابك العلاقات بين المؤسسات الأمنية الأمريكية وشركة إريكسون كبير جداً، وتوسع التحقيقات قد لا يؤدي إلى معلومات دقيقة حول الموضوع بسبب وجود بعض المسؤولين كأعضاء مجلس إدارة في تلك الشركات. لكنّ الاستقصاء الصحفي الدولي، الذي نشر، قد يفضي إلى بعض التعويضات المادية للضحايا، وهذا يعتمد على جدية القضاء الأمريكي في اعتماد هذه الاستقصاءات كاملة أو اعتماد جزء منها”.
وإلى ذلك، يوضح المحلل السياسي وعضو الحزب الديمقراطي الأمريكي، مهدي عفيفي؛ أنّ شركة إريسكون تواجه دعوى قضائية أمام المحكمة الفيدرالية في واشنطن من قبل ضحايا الإرهاب، سواء من المدنيين أو العسكريين، وهم حوالي 528 مواطناً أمريكياً، وذلك لانتهاك قانون مكافحة الإرهاب؛ حيث إنّ الشركة تورطت في دفع مبالغ مالية هائلة نظير الحصول على الحماية والأمان واستمرار أنشطتها التجارية في المناطق التي خضعت لسيطرة التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن التحايل على الجمارك العراقية، والمرور من ممرات عبور غير رسمية، وتخضع لعناصر التنظيم الإرهابي داعش
ويشير عفيفي، في حديثه لـ “حفريات”، إلى أنّ القضية مهمة على مستوى ضرورة محاسبة كل من يتعامل مع المجموعات الارهابية، بالتالي، يتعين على الشركة السويدية الرائدة في مجال تكنولوجيا الاتصالات دفع تعويضات باهظة للضحايا من المدنيين والعسكريين. ويتابع: “سوف تتكبّد الشركة خسائر طائلة إثر انخفاض أسهمها. وهنا تتجدّد الأسس والمبادئ الراسخة لدى المواطن الأمريكي بأنّه لا يتم دفع عمولات للقيام بأيّ عمل مشبوه ومناهض لقيم حقوق الإنسان، فالمسألة لا تتعلق بشركة إريكسون فقط، إنّما تطال كافة المؤسسات التي قد تتورط في أمور مماثلة”.
وهذه القضية قد تفتح الباب أمام شركات أخرى، ربما، تورطت مع الجماعات الإرهابية للحصول على الحماية أو النفوذ، وفق المحلل السياسي وعضو الحزب الديمقراطي، وقد طالت شركة لافارج الفرنسية اتهامات مماثلة، حيث تقدّمت ضدّها خمسة طعون، بينما قامت محكمة النقض الفرنسية، وهي أعلى هيئة قضائية بفرنسا، قبل عام، بالتحقيق في اتهامات بشأن تقديم الشركة الفرنسية “إتاوات” لتنظيم داعش في سوريا، تحديداً في مدينة الرقة، التي كانت خاضعة لسيطرته، بهدف حماية استثماراتها وأنشطتها، الأمر الذي لم تنفِه الشركة، بل بررته على لسان محاميها باتريس سبينوسي؛ بأنّ نية الشركة كانت “مواصلة نشاط مصنع الأسمنت”. وتابع: “هذا أكثر من كافٍ لتبرير أنّه لا صلة للافارج بخطة منسقة للقضاء على مجموعة من السكان المدنيين من خلال شن هجمات عامة ومنهجية”.
المصدر حفريات
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 19, 2024
نوفمبر 18, 2024