اختُتمت اليوم، فعاليات الدورة الثالثة لمنتدى اليمن الدولي المنعقد في العاصمة الأردنية عمّان، بدعوات عاجلة للسلام والمساءلة في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وتفاقم الأزمة الإنسانية.

وشارك في الدورة الثالثة أكثر من 300 ممثل يمني من مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية، إلى جانب دبلوماسيين وخبراء إقليميين ودوليين.

وفي الجلسة الختامية حذر هانس غروندبرغ، المبعوث الخاص للأمم المتحدة، من مخاطر تصاعد النزاع العسكري و”تقلّص المساحة” المتاحة لعمال الإغاثة في البلاد الممزقة بالحرب.

وأكد غروندبرغ أن اليمن لا يزال عند مفترق طرق حرج، مع تفاقم التهديد بتجدد العنف نتيجة الانقسامات السياسية والانهيار الاقتصادي والطوارئ الإنسانية الشديدة.

وقال: “السلام ممكن دائمًا، حتى في أصعب الأوقات. لكنه يتطلب جهدًا دؤوبًا”، مشددًا على الحاجة إلى “تسوية سياسية يقودها ويمتلكها اليمنيون.”

كما استنكر غروندبرغ الموجة الأخيرة من الاعتقالات التعسفية التي استهدفت موظفي الأمم المتحدة وعمال الإغاثة وأعضاء المجتمع المدني، بما في ذلك الوفاة المأساوية المشينة لأحد زملائه في برنامج الأغذية العالمي أثناء الاحتجاز.

وأشاد بإدانة مجلس الأمن الدولي بالإجماع لهذه الأفعال هذا الأسبوع، واصفًا إياها بأنها “رسالة قوية وموحدة” تطالب بالمساءلة والإفراج الفوري عن المعتقلين.

كما أبرز المبعوث ثلاث أولويات حرجة أثارها اليمنيون مرارًا وتكرارًا: الانتعاش الاقتصادي، ووقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وقال: “الطريق إلى السلام قد يكون معقدًا، ولكن بمثابرتنا الجماعية، فإنه ممكن”، داعيًا الأطراف المعنية إلى الاستفادة من الخبرات التي تم عرضها في المنتدى.

وفي جلسة حول الأمن الإقليمي، تحدث خبراء وباحثون عن تعقيدات الأزمة اليمنية وكيف باتت تهدد الاستقرار في الإقليم. وقالت ميساء شجاع الدين، الباحثة الأولى في مركز صنعاء، إن حرب اليمن تطورت من صراع بالوكالة بين السعودية وإيران إلى تهديد أوسع للأمن الدولي، لا سيما بعد هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.

من جهته، حذر سفير الاتحاد الأوروبي غابرييل مونويرا فينيالس، من أن أزمة اليمن أصبحت الآن “مرتبطة بصراعات إقليمية أخرى”، مما يعقد جهود السلام.

وقال “الاستقرار في اليمن يعني الاستقرار في دول مجلس التعاون الخليجي وباب المندب والبحر الأحمر، والملاحة الدولية في قناة السويس”.

وأكد على التزام الاتحاد الأوروبي بدعم المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة لكنه استنكر اعتقالات الحوثيين لعمال الإغاثة، والتي قال إنها “تقيد قدرة المجتمع الدولي على مساعدة الملايين.”

وأشار فارع المسلمي، وهو زميل باحث في تشاتام هاوس حيث يركز على اليمن ومنطقة الخليج، إلى الروابط المباشرة بين مصير اليمن والجغرافيا السياسية الدولية، وقال إن هجمات البحر الأحمر أنهت الوهم بأن النزاع في اليمن لن يؤثر على الغرب”.

وأشار إلى أن تصرفات الحوثيين قد دفعت البلاد إلى دائرة الضوء في “محور المقاومة”.

في السياق ذاته، أشار يوسف البلوشي، رئيس مجلس سياسة مسقط إلى أن سلطنة عمان تعمل على تيسير المشاورات والوساطات لجماعة الحوثيين، لكنه أصر على أن خريطة طريق الأمم المتحدة للسلام لا تزال قابلة للتطبيق، قائلًا: “ما هو البديل؟”

وحول ندرة المياه، عُقدت جلسة وصف فيها مساعد عقلان، باحث أول في مركز صنعاء، ندرة المياه بأنها “أكثر حرجًا من الأمن الغذائي”، وقال إن استخدام المياه في اليمن يتجاوز الموارد المتجددة بنسبة 200%، يتم تغطية هذه الفجوة باستنزاف المياه الجوفية.

وأكد عقلان أنه لا يمكن أن نتقدم بحلول لأزمة المياه ومعالجتها ما لم ندرك مدى حجم هذه المشكلة، وقال إن أزمة المياه تتمثل بعاملين أساسيين: عوامل طبيعية تتمثل بشحة الموارد في اليمن وعوامل بشرية تتعلق بحوكمة وإدارة المياه.

وعبر وكيل وزارة المياه والبيئة لقطاع المياه المهندس نجيب نعمان عن أسفه لعدم تنفيذ قوانين المياه وانهيار التمويل، مشيرًا إلى أن ميزانية المياه في اليمن قبل عام 2010 والتي كانت تبلغ 350 مليون دولار سنويًا قد تبخرت.

من جهتها، سلطت المحامية معين العبيدي الضوء على كيف يخاطر سكان تعز بحياتهم لجمع المياه من مناطق النزاع، بينما أبرز ناصر الشهري من البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن المشاريع في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة، التي تنتج 21 مليون متر مكعب من المياه المحلاة سنويًا.

وأكد ساليو توري من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على “نهج شامل” يربط بين الوصول إلى المياه وسبل العيش، على الرغم من اعترافه بصعوبة تقييم النتائج في البيئة الهشة في اليمن.

إلى ذلك، استعرض مركز صنعاء للدراسات التقرير الختامي لفعاليات المنتدى، وقال أسامة الروحاني المدير التنفيذي للمركز إن منتدى اليمن الدولي الثالث مثّل حدثا محوريا بالنسبة لعمل مركز صنعاء، خاصة في ظل التغيرات والأحداث الكبرى التي أعادت تشكيل مستويات الصراع في اليمن.

وقال “جاء المنتدى هذا العام كمساحة حوارية مفتوحة لاستكشاف المقاربات المحلية والإقليمية والدولية تجاه الوضع اليمني، وتعقيداته المتشابكة على المستويين الإقليمي والعالمي”.

وعبّر الروحاني عن آماله في أن تكون النقاشات التي امتدت على مدار الأيام الثلاثة الماضية قد رسمت صورة واقعية للوضع اليمني وأسهمت في إنتاج توصيات ونتائج فاعلة.

وكان منتدى اليمن الدولي قد انعقد في مرحلة حرجة وظروف غير مستقرة تمر بها اليمن، فَبعد التقدم المحرز في المحادثات أواخر عام 2023، تعثرت عملية السلام خلال 2024، الأمر الذي يهدد بتجدّد الصراع وبِمزيد من الانهيار الاقتصادي في اليمن.

ويُعد المنتدى الأبرز من بين مؤتمرات السياسة والأمن في اليمن الذي يحرص على حضوره مسؤولون يمنيون رفيعو المستوى وقادة سياسيين، وزعماء قبليين، ونساء، وشباب، وفاعلون من المجتمع المدني، وممثلون عن الأقليات.

وتُجرى في المنتدى حوارات بين الأطراف اليمنية بهدف رفد عملية السلام الرسمية وجهود المسار الثاني التي تقودها الأمم المتحدة، وتشجيع الحوار المتواصل والجامع لكل الأطياف.