الأربعاء , 15 يناير 2025
د. صبري عفيف العلوي
تفاهات وسائل التواصل الاجتماعي: عندما تغرق القيم في بحر السطحية
إنه لمن المؤسف أن تتحول وسائل التواصل الاجتماعي، التي كان يُفترض بها أن تكون نافذة للتواصل الإنساني الراقي وبناء جسور التفاهم، إلى مستنقع للتفاهة، التنافر، وبث الكراهية التي تمزق أوصال النسيج الاجتماعي. كيف وصل بنا الحال إلى هذا الدرك؟ وكيف أصبحنا نلهث خلف التفاهات ونترك القضايا الجسيمة تغرق في ظلمات التجاهل؟
ما شهدته عدن خلال اليومين الماضيين كان أشبه بصفعة على وجه الإنسانية. فتاة بريئة، تعمل معلمة بأجر يومي لا يتجاوز 50 ألف ريال، قُتلت بوحشية تقشعر لها الأبدان على يد من يُفترض أن يكون شريك حياتها، زوجها. هذه الجريمة النكراء، التي وقعت في ساعات الصباح الأولى وأمام أعين طلاب أبرياء، لم تقتصر على إنهاء حياة إنسانة فحسب، بل زرعت في قلوب أطفالٍ أبرياء ذكرياتٍ أليمة لا تمحى. ورغم كل هذه البشاعة، لم تحظَ الحادثة بأي اهتمام يُذكر، لا من وسائل الإعلام ولا من المجتمع. وكأن صوت هذه الروح المغدورة لم يكن يومًا موجودًا.
وفي الجانب الآخر، وفي توقيت متزامن، وقعت حادثة أخرى أقل شأنًا بكثير، لكنها حظيت باهتمام يثير العجب. معلم خرج بإرادته للمشاركة في مهرجان جماهيري تعرض لدفعٍ عابر وغير مقصود من مراسل كان يحاول الحفاظ على استمرارية البث المباشر. ورغم أن الأمر كان عفويًا ولم يكن الهدف منه إلحاق الأذى، إلا أن الحادثة تضخمت وتحولت إلى قضية رأي عام اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي، وأثارت موجات من الغضب والنقاش، حتى وصل الأمر إلى تدخل وساطات لتهدئة الوضع، وكأن المجتمع كان يبحث عن شرارة لإشعال الفتنة في العاصمة عدن.
كيف نعطي الأولوية لحادثة عابرة، بينما نتجاهل جريمة تهز أركان الإنسانية؟ كيف نغض الطرف عن دماء أُزهقت بظلمٍ، وننشغل بتفاصيل سطحية؟ ألهذا الحد أصبحت أرواح النساء رخيصة؟ وهل وصلت بنا السطحية إلى درجة أن نُسكت أصوات المظلومين ونُعلّي من شأن القضايا التافهة؟
إن هذا التناقض المؤلم يدفعنا إلى طرح تساؤلات أعمق: هل نحن ضحايا لثقافة عنصرية تُهمش القضايا الجسيمة، خاصة تلك التي تخص المرأة؟ أم أننا أسرى لعصر التفاهة الذي يسعى وراء العناوين المبهرة ويتجاهل الحقائق الموجعة؟
إنه لمن المحزن أن تتحول عدن، المدينة التي كانت يومًا ما منارة للوعي والثقافة والتسامح، إلى ساحة تتنافس فيها التفاهات، وتُطمس فيها الحقائق. أليس من الواجب أن يكون الإعلام مرآة تعكس القضايا العادلة وتنصف المظلومين؟ أين نحن من رسالتنا الإنسانية؟
أي مستقبل نرجوه إذا استمررنا على هذا النحو؟ وأي قيم نزرعها في أجيالنا القادمة إذا لم نُعِد ترتيب أولوياتنا؟ إن ما يحدث ليس مجرد انحدار، بل كارثة تهدد القيم والأخلاق، وتجعلنا نتساءل بمرارة: هل يمكن أن ننهض من هذا المستنقع، أم أننا سنبقى أسرى له إلى الأبد؟
اعلامي جنوبي
يناير 15, 2025
يناير 15, 2025
يناير 15, 2025
يناير 15, 2025