الجمعة , 22 نوفمبر 2024
يحتفل الحوثيون بمرور عشر سنوات على استيلائهم على العاصمة صنعاء. لكن ليس لليمنيين الخاضعين لسيطرتهم أو لسيطرة أيّ فصيل من فصائل الحكومة المعترف بها دوليا سبب للاحتفال، حيث تسجل جميع جوانب الحالة الإنسانية مؤشرات سلبية.
ويقبع وراء كل رقم في التقارير عن اليمن أناس حقيقيون وأحياء، نساء ورجال وأطفال، يائسون من المستقبل ويعانون من اعتلال الصحة وسوء التغذية وانعدام الأمن، ويواجهون خطر الموت المبكر.
وترى الباحثة هيلين لاكنر في تقرير على موقع عرب دايجست أن إنهاء الصراع يبقى ضروريا لتحسين الظروف المعيشية. لكن السياق الدولي الحالي لا يطرح مجالا كبيرا للأمل.
وبينما تستمر الإبادة الجماعية في غزة، لن ينهي الحوثيون هجماتهم الصاروخية على البحر الأحمر وإسرائيل، بغض النظر عن الانتقام الإسرائيلي والدولي، حتى مع حقيقة أن الرد العسكري على أفعالهم سيزداد شدة وتدميرا، مما يترك التقدم الضئيل الذي أمكن إحرازه في “عملية السلام” مجمدا.
وبلغ تمويل خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية لسنة 2024 نسبة لم تتجاوز 28 في المئة خلال سبتمبر. ويقتصر تمويل الأمن الغذائي، أي توزيع المواد الغذائية والنقدية في حالات الطوارئ، على تلبية نسبة 18 في المئة فقط من الاحتياجات.
إنهاء الصراع يبقى ضروريا لتحسين الظروف المعيشية. لكن السياق الدولي الحالي لا يطرح مجالا كبيرا للأمل
وخطة 2023 تتطلب 4.3 مليار دولار وحصلت على 40 في المئة بحلول نهاية العام بينما انخفض الرقم لسنة 2024 إلى 2.7 مليار دولار.
وتسجّل بعض المناطق في اليمن أقصى مستويات الحرمان، وخاصة المجاعة. وذكرت الأمم المتحدة في تقرير لها أن “62 في المئة من الأسر التي شملتها الدراسة لا تمتلك ما يكفي من الغذاء، وتواجه ثلاث مديريات، اثنتان في الحديدة وواحدة في تعز، مستويات حرجة للغاية من سوء التغذية، أي المرحلة 5 من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي. وبحلول نهاية 2024، يُقدر أن أكثر من 600 ألف طفل في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية سيعانون من سوء التغذية الحاد، ومن المتوقع أن يعاني حوالي 118 ألف طفل من سوء التغذية الحاد الوخيم، وهذا ما يشكل زيادة قدرها 34 في المئة منذ 2023”.
وبالنسبة إلى القراء الذين لا يفهمون معنى هذا التصنيف، تعني المرحلة 5 من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي المجاعة وفقا لمعايير الأمم المتحدة.
وحدد كبير المسؤولين الإنسانيين في الأمم المتحدة أن هذا التقرير لا يغطي سوى الأسر “التي شملتها الدراسة”، وكلها في المنطقة الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا.
ومن المتوقع أن تشهد 117 مديرية مستويات “خطيرة” من سوء التغذية الحاد أو ما هو أسوأ (المرحلة 3 فما فوق من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي)، وأن تنزلق مديرية موزع في تعز إلى المرحلة 5 بين يوليو وأكتوبر (موسم الجوع). ولا تشمل هذه البيانات الـ70 في المئة من السكان الذين يعيشون تحت سيطرة الحوثيين.
ويعدّ هذا الوضع المؤسف “مدفوعا بالتأثير المضاعف لتفشي الأمراض (الكوليرا والحصبة)، وارتفاع انعدام الأمن الغذائي، ومحدودية الوصول إلى مياه الشرب المأمونة، والتدهور الاقتصادي”.
الخلافات بين برنامج الأغذية العالمي والحوثيين حول إدارة عمليات التوزيع تتواصل منذ سنوات
ويتأثر الاستهلاك الغذائي بانهيار الاقتصاد، ونقص فرص العمل، وانخفاض الإنتاج الزراعي، وانخفاض المعونة الإنسانية.
وتمثل حصص الإعاشة والنقد التي لا يزال يقدمها برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة 40 في المئة من الحصص التي يحددها البرنامج باعتبارها أساسية.
ويتلقى 3.6 مليون شخص هذا الدعم في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، مقارنة بـ17 مليون شخص محتاج في جميع أنحاء البلاد.
ويصبح الوضع أسوأ في المناطق التي يسيطر عليها أنصارالله (الحوثيون)، حيث أوقف برنامج الأغذية العالمي توزيعاته الغذائية والنقدية في ديسمبر الماضي، وسجّل توزيعا واحدا في مايو في المناطق الأكثر تضررا.
وتتواصل الخلافات بين برنامج الأغذية العالمي والحوثيين حول إدارة عمليات التوزيع منذ سنوات.
وبما أن الولايات المتحدة هي المزود الرئيسي لأموال برنامج الأغذية العالمي وإدارته، فمن المعقول أن نسأل هنا ما إذا كان قرار وقف التوزيع من أشكال الانتقام من الهجمات البحرية الحوثية لدعم فلسطين في وقت كان فيه تأثير تحالف “الحارس المزدهر” البحرية بقيادة واشنطن محدودا.
أنصارالله والحكومة لا يفون بالتزاماتهم إذ أنهم لا يدفعون رواتب الموظفين بانتظام أو لا يدفعونها على الإطلاق
ويتأثر التدهور الاقتصادي الوطني، المؤثر على مداخيل المواطنين، بعوامل متعددة. وتشمل بالطبع انخفاض المعونة الإنسانية. وأبلغت 70 في المئة من الأسر عن انخفاض في الدخل مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2023، مع انخفاض أكبر بكثير في الدخل في المناطق الخاضعة لحكم أنصارالله (79 في المئة مقارنة بزيادة قدرها 51 في المئة في المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دوليا).
وأصبح حتى الاحترار العالمي عنصرا إضافيا روتينيا للأزمة الإنسانية، رغم أن بصمة اليمن الكربونية ضئيلة ولا تتجاوز انبعاثاتها 0.03 في المئة من الإجمالي العالمي.
وكانت الفيضانات الشديدة المسجلة خلال السنة الحالية توصف في الماضي بـ”الاستثنائية”. ولكن لم يعد من الممكن اعتبارها كذلك نظرا لزيادة تواترها وانتظامها.
وسُجّلت سنويا خلال العقد الحالي، وليس مرة واحدة كل 7 سنوات أو نحو ذلك كما كان الحال خلال القرن الماضي.
وقالت الأمم المتحدة إن أكثر من نصف مليون شخص تأثروا بالظواهر الجوية الأخيرة بحلول 12 سبتمبر.
وسجّلت نزوح أكثر من 270 ألف شخص في جل محافظات البلاد. وتعتبرهم بحاجة إلى دعم طارئ من جميع الأنواع، بعد أن خسروا منازلهم وجميع أصولهم الأخرى، بما في ذلك أي احتياطيات غذائية قد جمعوها، إضافة إلى مصادر دخلهم وأصولهم الإنتاجية.
اليمنيون يشعرون بالإحباط بسبب غياب أيّ كيان حاكم ملتزم بجدية بمعالجة مشاكلهم وتحقيق سلام مستدام
وفي الأثناء، لم يسجّل دعم الأمم المتحدة للمأوى، أي توفير أماكن إقامة مؤقتة، ومعظمها من الخيام وغيرها من الضروريات، سوى 3 في المئة من التمويل المطلوب لسنة 2024. كما تتعرض إمدادات الاحتياجات الأساسية الأخرى، مثل الغذاء، لضغوط إضافية بسبب طلبات الآلاف الذين خسروا كل شيء بسبب الفيضانات.
وتعرضت الخدمات الطبية في البلاد لأضرار جسيمة أو دُمرت خلال الحرب. وتعمل اليوم أقل من نصف المؤسسات بفضل الدعم المالي والمادي من المنظمات الإنسانية الدولية. لكن هذا يجعلها تتأثر بانخفاض التمويل، مما يعني أنها اضطرت إلى تقليص بعض البرامج وإلغاء برامج أخرى وفصل الموظفين.
ولا يفي أنصارالله والحكومة بالتزاماتهم إذ أنهم لا يدفعون رواتب الموظفين بانتظام أو لا يدفعونها على الإطلاق.
وليس من المستغرب لذلك أن تنتشر العديد من الأمراض المعدية. وسجّلت أزمة الكوليرا/ الإسهال المائي الحاد 2.5 مليون حالة مشتبه بها و4 آلاف حالة وفاة في الفترة الفاصلة بين 2016 و2022.
ومسّ الوباء الحالي أكثر من 180 ألف شخص من أكتوبر الماضي إلى سبتمبر الحالي. وتفاقم هذا الوضع نتيجة للفيضانات الغزيرة التي ساهمت في انتشار هذا المرض الذي ينتقل عن طريق المياه.
وتسبب أمراض أخرى مثل حمى الضنك والملاريا والحصبة وشلل الأطفال قلقا بالغا على البالغين والصغار.
وتتفاقم كل هذه المشاكل بسبب سوء التغذية الذي يزيد من التعرض للأمراض بينما يقلل من القدرة على الصمود والتعافي.
وبينما كان القتال محدودا منذ هدنة الأشهر الستة في 2022، لا تزال الحرب تؤثر على الحياة اليومية.
ويشعر اليمنيون في جميع أنحاء البلاد بالإحباط بسبب غياب أيّ كيان حاكم ملتزم بجدية بمعالجة مشاكلهم وتحقيق سلام مستدام يكون أولى خطوات التعافي.
وخلقت الإبادة الجماعية في غزة وأعمال أنصارالله دعما للفلسطينيين وضعا جديدا يفخر فيه الكثيرون، من ناحية، بالدعم اليمني للشعب الفلسطيني، ويخشون من ناحية أخرى تجدد الدمار العسكري الناتج عن الهجمات الأميركية والبريطانية والإسرائيلية المباشرة.
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 21, 2024