في لحظة تجلت فيها معاني العفو والقوة، اختار إبراهيم البكري أن يمنح الحياة لمَن سلبها من ابنته، ليبعث برسالة للعالم أجمع بأن العفو لا يأتي إلا من مقام عالٍ ورفيع، لا يخضع لسلطان المخلوقين ولا لمغريات الدنيا.
العفو الذي منحه البكري لرقبة بن هرهرة، ورغم قسوة الخسارة، لم يكن عفواً تقليدياً؛ فقد جاء في اللحظة الأخيرة، ليؤكد أن قرار العفو ليس لعبة يتسلى بها المجتمع، ولا وسيلة للهروب من العدالة. العفو جاء ليكون تذكرة بأن الأرواح ليست مجالاً للعبث، وأن الحياة كريمة لا تُباع ولا تُشترى. فقرار البكري لم يكن إلا درساً قاسياً لكل من يستهين بأمن الناس وحياتهم، ليعيشوا لحظة مواجهة الموت، فيعرفوا قيمة الحياة.
إبراهيم البكري أرسل برسالة سامية: “عفوتُ لوجه الله، لا لمخاليقه”. هذه الكلمات العميقة تختزل في معناها فلسفة البكري في العفو، فهي تعني أن العفو نابع من قلب مؤمن، مُخلص لله، يسعى إلى مرضاته دون اعتبار لما يقوله الناس أو ما يتوقعونه. قراره لم يكن بسبب ضغوطات اجتماعية أو رغبات انتقامية، بل كان قراراً نابعاً من إرادة حرة، مسكونة بالإيمان بالله وحده.
وإنه لا شك أن قراره بترك العفو حتى اللحظة الأخيرة لم يكن قراراً عشوائياً، بل كان موقفاً مدروساً، أراد من خلاله أن يجعل من هذه القضية عبرة لكل من تسول له نفسه التلاعب بالأرواح واستخدام السلاح في غير موضعه. رسالة إبراهيم البكري وصلت قوية وواضحة: “لا تستهينوا بحياة الناس، فالعاقبة وخيمة”.
لقد حملت تلك الرسالة بين طياتها تحذيراً لكل مجنون وبلطجي ومتهور، أن العدالة في هذا العالم قد تبدو مغيبة أحياناً، لكن يد الله فوق أيدي الجميع، وأن من يعبث بحياة الآخرين سيتذوق طعم الموت حتى وإن لم يُقتل.
شكرًا إبراهيم البكري، شكرًا على تلك الرسالة العظيمة التي أوصلتها إلى الأمة. رسالة لم تكن مجرد كلمات، بل كانت درساً تربوياً وأخلاقياً، دخل كل بيت وأثر في كل نفس. رسالة أكدت لنا جميعاً أن العفو عن الجاني قد يكون رسالة إنسانية أكبر وأعمق من مجرد الانتقام، وأنه يمكن أن يكون وسيلة لإعادة التفكير وإعادة تقييم القيم والمعايير الأخلاقية في مجتمعاتنا.
فقد أثبت إبراهيم البكري أن الشجاعة ليست في الرد بالمثل، بل في كبح جماح الغضب والانتقام، والسمو إلى مرتبة العفو، لتبقى كلماته ورسالته نبراساً لكل من ينشد العدالة والرحمة.